أخبار عاجلة

الأزمة في الموارد أم في إدارة الموارد؟ (3-1)

هرمنا الاخباري – عمان – ا.د. عبد الله سرور الزعبي

نجح الأردن خلال قرن من الزمن في اجتياز كافة الظروف الصعبة التي مر بها ومنها التي فرضت عليه بسبب الوضع الجيوسياسي المتغير في المنطقة، ويعود الفضل في ذلك للقيادة الهاشمية وكفاءة الأجهزة العسكرية والأمنية وكفاءة الجهاز الإداري في الدولة والتي اعتبرت مدرسة يقتدى بها من دول المنطقة في مرحلة من المراحل الماضية.
كما ويتمتع الأردن بموقع جغرافي مميز، منحه بيئة جغرافية متنوعة، مما وفر له بيئة زراعية جاذبة ومتنوعة. يضاف لها البيئة السياحية الغنية بالمواقع الأثرية، كما أن وجود البحر الميت، الجسم الجيولوجي الفريد من نوعه على سطح الكرة الأرضية، يزيد من جاذبيته. وعلى الرغم من افتقاره إلى وجود الموارد الطبيعية كالنفط والغاز ومصادر المياه، إلا أنه يمتلك من الثروات الطبيعية الأخرى كالفوسفات والبوتاس وأملاح البحر الميت والصخر الزيتي والرمل الزجاجي، وقد يضاف إليها النحاس إذا ما ثبتت الجدوى الاقتصادية لتعدينه، مما يجعله في وضع جيوإستراتيجي وجيوسياسي وبالموارد المتاحة أفضل من الكثير من دول العالم الأخرى التي حققت نجاحات قوية ووضعت لنفسها بصمة على الساحة الدولية كمساهمة في التنمية العالمية المستدامة.
إلا أن الثروة الأهم والتي يمتلكها الأردن، هي ثروة القوى البشرية المتعلمة والشابة والجاهزة لسوق العمل، الأمر الذي منحه أفضلية عن غيره ولعقود من الزمن، إلا أنها بدأت تفقد بريقها لكثير من الأسباب، منها، افتقارها للمهارات اللازمة للمنافسة في سوق العمل الإقليمي والدولي خلال السنوات الماضية، وخاصة في العقد الأخير مع مرحلة التحولات الرقمية، ودخول تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي في مجالات الحياة المختلفة.
إن كافة الميزات المذكورة، بالإضافة الى الاستقرار السياسي والأمني، كان من المفروض أن تجعل من الأردن بيئة استثمارية تكون الأفضل بين دول المنطقة، ويجعل من مؤسسات الدولة (العامة والخاصة) الأفضل في الإدارة لتحقيق التنمية الاقتصادية التي نتحدث عنها منذ عقود.
لن أخوض هنا في التشخيص، كونه تم اختصاره من قبل جلالة الملك وسمو ولي العهد بالترهل الإداري وعدم الالتزام بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب (وهو القول الفصل). إن هذه الكلمات بحاجة الى تفكير عميق، في الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا المستوى، والتي قد تعود إلى غياب الإدارة التحويلية، والتي ترفض ثقافة التغير، وتسعى للمحافظة على حالة السكون من منطلق شعار «ما دامت هذه الحالة مستقرة وبدون إزعاج فلتكن، وليأت من بعدي ليفعل ما يشاء، إذا استطاع التغيير أو حتى إحداث اختراق في المنظومة الإدارية الساكنة».
إن مثل هذا النمط الإداري، المعتمد على التسكين والعلاقات والترضيات لن يحقق أي نجاحات، وفي الأغلب تكون قيادات غير كفؤة ومرتجفة حتى الرعب ووصلت بناءً على توصيات من البعض، أو بهدف الاسترضاء لتحقيق شعبويات في بيئات محلية مغلقة.
وعلى الرغم من ذلك، ما تزال لدينا قصص نجاح تتحقق في إدارة بعض الملفات كالبوتاس والفوسفات، والتي نطمح أن نرى التوسع في صناعاتها واستغلال الوضع العالمي الراهن الناتج عن الصراع الروسي الأوكراني، الأمر الذي زاد من الطلب عليها. كما اننا بأمس الحاجة لإدارة ملفات أخرى وبكفاءة عالية كملف التعليم والمياه والزراعة والتجارة والاستثمار والموارد الطبيعية غير المستغلة كالصخر الزيتي والرمل الزجاجي وغيرها الكثير من الملفات، والتي سأتحدث عن بعض التجارب فيها والتي منها تجارب شخصية (وأرجو ألا يساء الفهم منها) في قطاع المياه والتعليم العالي.
في قطاع المياه، فإنني لن أتحدث عن مشروع قناة البحرين والذي أصبح فيما بعد بناقل البحرين (قد أتحدث عنه في مقال آخر) ولن أتطرق لموضوع جر مياه الديسة ومياه خان الزبيب ولا عن مشاريع السدود والتي أخفقنا في عدد منها مما أدى لهدر مالي تجاوز 100 مليون دينار، بل سأتوقف عند الفاقد المائي من الشبكة الوطنية والذي نتحدث عنه منذ ما يقارب العقدين من الزمن والذي استمر بالارتفاع إلى أن وصلت نسبة الفاقد من المياه المسالة إلى ما يزيد على 50 % (على الرغم من وجود الكثير من الدراسات الوطنية وغيرها بمشاركات دولية من ألمانيا أو الولايات المتحدة الأميركية)، ومع ذلك ما زلنا نتحدث عن الموضوع دون تكثيف الجهود وتسخير مقدرات القطاع لتخفيضها ضمن مدة زمنية محددة، يجب ألا تتجاوز الثلاث سنوات والوصل بها الى الحالة المثالية، وفي حال نجحنا في ذلك لنا ان نتخيل كميات المياه الإضافية التي نستطيع تزويد المواطنين والقطاع الزراعي بها.
كما أننا نعلم أن كميات الطمي في السدود في ازدياد كسد وادي العرب والملك طلال ووادي شعيب والكفرين والواله والموجب والتي تقارب 32 مليون متر مكعب (لم يتم إضافة كميات الطمي في سد الكرامة، كونه خارج الحسبة المائية بسبب الملوحة العالية للمياه). الامر الذي أدى الى انخفاض القدرة التخزينية للسدود المذكورة، مما يتطلب وضع خطة فعلية لتنظيفها والبدء بتنفيذها فوراً، وأنا على اطلاع بأن معالي المهندس محمد النجار يطمح لتحقيق اختراق إيجابي لإدارة ملف المياه الصعب (من منطلق تواصلي المستمر معه خلال ما يزيد على 13 سنة).
إن التركيز على هذه المواضيع لا محالة سيحسن من الوضع المائي وجودة المياه المقدمة للمواطنين وللقطاع الزراعي.
أما ما يخص ملف التعليم، والذي عايشته خلال أكثر من عقدين من الزمن، فسأتحدث عنه وبكل صراحة، وخاصة بعد تصريحات معالي الدكتور محي الدين توق الأخيرة وعلى شاشة التلفزيون الأردني، والذي أكد بان الفاقد التعليمي تجاوز نسبة 50 %، وهي نسبة تعتبر مأساوية، وهنا ألا يحق لنا التساؤل من الذي أوصلنا إلى هذه الحالة (بعيداً عن جائحة كورونا).
إن مثل هذا الوضع بحاجة إلى معالجة سريعة دون انتظار الخطط متوسطة أو طويلة الأجل وكلنا أمل في أصحاب المعالي وزير التربية والتعليم ومدير المركز الوطني للمناهج الإسراع في ذلك.
أما فيما يخص ملف الجامعات والمتعلقة بديونها وعجزها وجودة التعليم فيها، والتي تعرضت لهزات كبيرة بدأت بتاريخ 5/12/2004 عندما تم تغيير عدد من رؤساء الجامعات دون مبرر في ذلك الوقت، وتوالى المسلسل إلى أن وصلنا إلى الحالة التي نعاني منها جميعاً.
إنه لمن الملاحظ من أن البعض يحمل المسؤولية إلى البيئة المجتمعية، إلا أنه في الواقع من يتحمل ذلك بعض وزراء التعليم العالي والقيادات الأكاديمية في الجامعات، وسأذكر بعض الأمثلة على ذلك.
أحد رؤساء الجامعة الأردنية (الأستاذ الدكتور عبدالرحيم الحنيطي) كان قد ذكر لي بانه عندما غادر رئاسة الجامعة كان هناك رصيد مالي في حسابات الجامعة يقدر بثمانية وثمانين مليون دينار، ليأتي من بعده وخلال فترة أقل من 3 سنوات ويترك الجامعة وبعجز مالي يقدر بـ 12 مليون دينار(عند استلام معالي الدكتور عادل الطويسي لها واستطاع تخفيض عجزها إلى 7 ملايين دينار كما أخبرني)، والحديث؛ عن أن أسباب ذلك تعود إلى إنشاء فرع العقبة وإنشاء المعاهد التي تكرر عمل الكليات وغيرها من الأسباب الإدارية الأخرى (حسب إجماع معظم القيادات الأكاديمية)، مما رتب على الجامعة أعباء مالية استنزفت مواردها.
كما أن اللقاء التشاوري الذي جمع مجلس أمناء جامعة اليرموك والقيادات الأكاديمية السابقة فيها والحالية والذي عقد مع بداية هذا العام خلص إلى أن أهم أسباب الأزمة المالية لجامعة اليرموك يعود إلى التعيينات الإدارية والتي قاربت الـ 500 شخص خلال فترة زمنية لم تتجاوز الثلاث سنوات (2010 – 2012) والتعيينات الأكاديمية التي تجاوزت الـ 250 عضو هيئة تدريس خلال عام أكاديمي واحد 2016 – 2017، ومعظمها لا مبرر لها (حسب ما أخبرني به أحد نواب الرئيس السابقين في الجامعة والذي حضر الاجتماع).

شاهد أيضاً

تعزيز تنافسية المنتج الأردني

هرمنا الاخباري-نستطيع القول أن تعزيز تنافسية المنتج الأردني تعتبر حلقة أساسية في اطار الجهود التي …