أخبار عاجلة

اتهام الوزراء ورفع الحصانة عن النواب

الدكتور المحامي حامد العمايره .. بكتب

دار نقاش قانوني خلال الفتره الماضية بين القانونيين والمشرعين والمهتمين بالشأن العام بخصوص اتهام ومحاكمة وزيرين سابقين وطلب رفع الحصانة عن نائبين عاملي ، وكل كان له رأيه الذي يستدل عليه حول جواز او عدم جواز اتهام النواب للوزراء العاملين وغير العاملين ورفعهم للحصانه عن النواب.
ولقد دفعني هذا النقاش لبيان الرأي الدستوري في ذلك كله من خلال دراسة لنصوص الدستور ومبادئ سيادة القانون ، وسأتناول الموضوع على محورين، المحور الاول فيما يتعلق باتهام ومحاكمه الوزراء والقسم الثاني فيما يتعلق برفع الحصانه عن النواب .
اولا : فيما يتعلق باتهام ومحاكمة الوزراء
من المسلم به فقها وقضاء أن للدولة سلطات ثلاث تمارس كل واحدة منها اختصاصها بموجب الدستور والقوانين الناظمه لاعمالها التي حددت اختصاصات كل سلطه على وجه مستقل عن الاخرى بحيث اذا تداخل الاختصاص وجب احترام صاحب الاختصاص الاصلي ، وان مبدأ الفصل بين السلطات هو ديدن هذه السلطات وهو احد اهم مبادئ الديمقراطيات الحديثه ، وعلى ذلك فان صاحب الولاية العامة في القضاء بين الناس وفض الخصومات وتحقيق مبدأ سيادة القانون وارساء مبادئ العدالة هي الجهة القضائية التي اناط بها الدستور حق الفصل في الخصومات (102) دستور وبالتالي فأن القضاء النظامي هو جهة القضاء الطبيعي الذي يمتد لتشمل يده وسلطانه اقليم الدولة كاملا واشخاصها جميعا.
وعلى ذلك فان خضوع من في الدوله جميعا لاحكام القضاء هو تطبيق سليم للدســــتورواحتــــرام له ، فالقاضي الطبيعي هو قاض لكل الخصومات يسير معه جنبا الى جنب الادعاء العام وكافه الاجهزه القضائيه الداعمه لعمله .
غير أن طائفة من الدول ومنها المملكه الاردنيه الهاشميه تأخذ بمبدأ الخروج عن القاضي الطبيعي وأختلاق محاكمة خاصة لطبيعة خاصة تفرضها ظروف معينه كمحاكم امن الدولة او المحاكم العسكرية ، ومن ذلك أيضا ما تم ااستحداثه بموجب دستور 1952 وما قبله حيث تم تخصيص محكمة خاصة لمحاكمة الوزراء الا وهو المجلس العالي لتفسير وعلى يمثل الأدعاء العام امام هذا المجلس مجلس النواب ممثلا بمن يراه من اعضائه (وفي هذا اعتداء على جهة قضائية ، تداخــــل و تغول على مبدأ الفصل بين السلطات ).
لكن المشرع وبعد ما يزيد على خمسين عاما عاد ونظر في الامرمن حيث جهه اختصاص محاكمه الوزراء وكان الدافع في ذلك منظومه الفكر القانوني لدى القيادات القانونيه من اساتذه جامعات ومسستشارين وباحثين حيث كانت الانتقادات توجه الى مثل هذا الخروج على مبدأ سيادة القانون ومبدأ فصل السلطات مما كان لها الاثر في هذا التطور فتم تعديل الدستور الأردني في عام 2011 لتصبح محاكمة الوزراء امام المحاكمة النظامية مع أبقائه على اتهام الوزراء من قبل مجلس النواب.
ونحن وان كنا مع التعديل بشقه الأول وهو أعادة اختصاص السلطه القضائيه لمحاكمة الوزراء تجسيدا لمبدأ القاضي الطبيعي وسيادة القانون والمساواة بين الناس. على اعتبار أن الوزير مواطن كأي مواطن عادي عملا بالمادة (6) من الدستور ألا أننا نختلف اختلافا كبيرا مع المشرع الدستوري الأردني الذي ابقى أختصاص مجلس النواب في أتهام الوزراء للأسباب القانونيه والواقعيه التالية :
1- اختصاص مجلس النواب في اتهام الوزراء هو اعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات وتغول على السلطة القضائية ممثلة بالأدعاء العام الذي هو صاحب الولايه العامة في التحقيق والأتهام.

2-هو باب مفتوح لتحقيق المصالح والمقاصد بين النواب والوزراء الامر الذي يعيق عمل مجلس النواب الحقيقي الرقابي منه والتشريعي فالمصالح المشتركه تخفف بل قد تلغي احيانا جديه العمل التشريعي والرقابي .

3ـ ليس من الحكمه القانونيه التي ديدنها مبدأ الفصل بين السلطات منح طرفين متقابلين ما يمكن للاخر ان يقايضه به في ظل دوله العداله وسيادة القانون والارتقاء بالعمل النيابي والحكومي ، ويكمن اللغز هنا في ان نبقي الرقابه السياسه على عمل مجلس الوزراء
واداء الوزراء وان نفعلها حتى نرتقي بالاداء النيابي والحكومي .

4ـ ان ابقاء اتهام الوزراء بيد مجلس النواب يعيق ويعرقل اعمال السلطة القضائيه وهناك من السوابق ما يؤكد ان ابقاء هذا الاتهام على هذا الشكل فتح بابا لحمايه وتشجيع الفساد .

5- العرف العشائري ما زال محكما في وطننا ومن خلاله يمكن ان تؤخذ الخواطربين النواب والوزراء مما يعيق عمليه الاصلاح الاداري والمالي لاسيما وان العمليه الانتخابيه برمتها وتعيينات الوزراء تقوم في الغالب على خواطر عشائريه مما يعني ان عمليه الاتهام ورفع الحصانه و/او تمرير المصالح تتقايضان معا لا محاله .

وعليه فان : المشرع الدستوري الأردني مدعو الى تعديل نص المادة(56) من الدستور ليعيد للقضاء الأردني سلطته الأصلية في التحقيق والأتهام على قدم المساواة لجميع مواطني الدولة دون أي أستثناء اوتمييز بينهم عملا بما نصت عليه المادة( 6 ) من الدستور أذ لا تميز بين الاردنيين في الحقوق والواجبات .

واننا نرى في هذا الصدد ان يكون التعديل المقترح للدستور فيما يتعلق بهذه المسـأله وللماده (56) من الدستور وفقا لما يلي :

1-الغاء الماده (56) من الدستور واعادة ترقيمها تبعا لما بعدها.

2-تعديل نص المادة (55) من الدستور بحيث يصبح نصها كالأتي:

((يحاكم الوزراء العاملون وغير العاملين على ما ينسب اليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم امام المحاكم النظامية المختصة في العاصمة وتتولى النيابة العامه اجراءتها وفقا لاحكام القانون )).

ومن نافله القول وجوب تطبيق هذا النص قبل تعديله على اي ممن اشغل منصب وزير عاملا كان او متقاعدا او انهيت خدماته لاي سبب من الاسباب .
فمن اهم مبادئ العدالة ان يخضع اي مواطن للقضاء الطبيعي دون أي أمتياز أخر فكيف حصن الوزيرالمتقاعد او المقال ونخضع أمر اتهامه لمجلس النواب اليست هذه مخالفه لمبادئ العدالة والمساواة وتعد على صاحب لأختصاص الطبيعي دون أي مبرر .
واننا اذ نحترم ما ذهب اليه المجلس العالي لتفسير الدستور بقوله أن المقصود بالوزير في المادة (56) يشمل الوزير المقال فأننا نخالفه الرأي تماما اذ أن هذه المادة وروح المشرع الدستوري لا يؤديان المقصود الذي ذهب اليه المجلس العالي لتفسير الدستورفالمقصود باتهام الوزراء من خلال النص الدستوري كما نراه هو الوزير العامل للاسباب التاليه :

1-كلام المشرع عادة لا لغو فيه ولو أراد المشرع الدستوري أن يضيف الحمايه للوزير المقال ايضا لذكر ذلك صراحة في النص.ولا يمكن تطبيق مقوله او قاعده ان المطلق يجري على اطلاقه لان هناك دليل على خلاف ذلك جاء قرينة مقيدة له وهو ما ورد في الماده )(57) من الدستور.

2-من سياق المادة (57) التي يجب أن لا نتوسع في تفسيرها نفهم منها ان المقصود هو الوزير العامل ويؤيد ما نذهب اليه نص المادة (57) من الدستور والتي نصت على ما يلي :
((يوقف عن العمل الوزير الذي تتهمه النيابة العامة ولا تمنع استقالته من أقامة الدعوى عليه )). فهذا قيد لمفهوم الوزير وهو هنا الوزير العامل
من هذا النص يتضح لنا أن المقصود بالوزير هو الوزير العامل فكيف يوقف وزير متقاعد او مقال او… عن العمل ؟ فحيث اتاح المشرع وقف الوزير عن العمل اذن فهو يتحدث عن وزير عامل وليس متقاعد او مقال .

3) ويؤكد ايضا ما ذهبنا اليه هو قوله في المادة (57) ايضا ولا تمنع استقالته من أقامة الدعوى وهذا قيد آخر على ان المقصود هو الوزير العامل يعني ان الوزير اذا بادر عند ورود الشبهه عليه بتقديم استقالته فان الدعوى ستبقى مستمرة في حقه فهل يقدم وزير متقاعد استقاله ؟.

ولذلك نرى ان المشرع الدستوري وحتى يفصل في هذا الجدل القانوني يتوجب ان يعيد الأختصاص الى السلطة القضائية صاحبة الولاية العامة وحينها لن يحدث جدل ولا تساؤل حول أي أي وزير مقصود هل هو العامل ام المقال ام المستقيل. مع تأكيدنا على تفسيرنا ومفهومنا اعلاه .

واننا نخلص الى القول بان مشرعنا الدستوري مدعو الى تعديل المواد المشار اليها وفقا لما ذكرناه آنفا بما يحقق مبدأ الفصل بين السلطات والمساواة بين الناس .

الدكتورالمحامي حامد العمايره
أستاذ القانون الدستوري والاداري
جامعة العلوم التطبيقيه سابقا
محام ومستشار قانوني

شاهد أيضاً

بدء التسجيل الكترونيا لمؤسسة التدريب المهني

هرمنا الاخباري – تبدأ مؤسسة التدريب المهني الأحد، استقبال طلبات القبول والتسجيل للدور الأول للعام …