أخبار عاجلة

الديمقراطية وحق الأكثرية ؛ مدينة مادبا أنموذجا … عبدالحفيظ سليمان أبوقاعود

الانقلاب الأبيض الذي قادته الحركة الإسلامية في مدينة مادبا في العام 1980،ساهم في تغيير موازين القوى في إدارة الحكم المحلي في المدينة ، لصالح مكونات جديدة في النسيج الاجتماعي ، كان له ما يبرره في حينه لدى الغالبية العظمى من مواطني المدينة ، لكن بعد ثلاثين عاما على الانقلاب ، هنالك معايير أخرى ومنطق أخر غير مسوغ للتبرير في الأدبيات السياسية،حيث يعني حق ألأكثرية في المجتمعات الديمقراطية، قدرتها علَى الحكم الفعّال والاستقرار والسلم الأهلي والخارجي ولمنع الأقليّات من تعطيل الحكم المحلي ، لركني ألديمقراطية وهما ؛ حُكمُ الأكثريّة و حمايةُ حقوق الأقليات والأفراد.
لقد اصدر السلطان العثماني عبدالحميد مرسوماً سلطانيا ً(خطي شريف) في قصر كلهان، تضمن إعلان المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، مما يعني إلغاء الوضع الشرعي التقليدي لغير المسلمين على اعتبار أنهم أهل ذمة. وتم التأكيد ما ورد في المرسوم بقرار سلطاني آخر عام 1856 حين اصدر السلطان مرسوما ً آخر (خطي همايون) الذي منح المساواة التامة والحرية الدينية الكاملة للرعايا المسيحيين واليهود في الإمبراطورية العثمانية، ضرورة وجود تمثيل لجميع الأقليات القومية (الأقليات الدينية (المسيحيين واليهود ) ، لكن الدستور لا يوضح كيفية بلوغ هذا الهدف.
وقد جاء بناء مدينة مادبا في موقعها الحالي ل”عشائر ألنصارى ” في إطار هذا المرسوم قبل أكثر من مائة عام ويزيد ، وتأسس فيها حكما محليا في البلدة تطور مع مرور الزمن إلى بلدية يديرها مجلس بلدي منتخب برئاسة احد الشخصيات المحلية من أبناء عشائر النصارى من سكان المدينة وفق إحكام قانون المجالس البلدية إلى عام 1980 ، حيث حل أول رئيس مسلم ينتمي إلى الحركة الإسلامية على رأس المجلس البلدي في الانتخابات البلدية التي جرت في صيف عام 1980، والتي لم يفز بها إي عضو من أبناء عشائر النصارى لأول مرة في تاريخ المدينة لدورتين متواليتين ، لان الأغلبية الانتخابية في المدينة أصبحت من المسلمين، حيث تحولت ألأكثرية الانتخابية إلى أقلية،لا تستطيع تصعيد إي شخصية من أبنائها إلى عضوية المجلس إلا بالتدخل الحكومي لصالحها .
كيف تتحول الأكثرية إلى أقلية عرقية طائفية مذهبية في إطار مبدأ التداول السلمي على السلطة،ومبدأ حكم الأكثريّة،ومبدأ فصل السلطات ومفهوم تجزِئة الصلاحيات،و مبدأ التمثيل والانتخاب ، ومفهوم سيادة القانون ومفهوم اللامركزيّة ، و ضمان الحقوق ألسياسية للأقليات ؟!!، وهل تحولت الأكثرية إلى أقلية؟!!، هل يتكرر هذا الوضع من الانتخابات البلدية إلى الانتخابات البرلمانية ؟!!، و لماذا عاند حكماء عشائر النصارى المنطق واخدتهم العزة بالإثم في عدم الاحتكام إلى الديمقراطية وحق الأكثرية في الحكم المحلي للمدينة ، وعدم الاستجابة لمطالب الأكثرية من مكونات النسيج الاجتماعي في المدينة والقبول بالحلول الوسط في تقاسم الرئاسة مع الحركة الإسلامية في الحكم المحلي للمدينة؟!!،
هل ما حدث في انتخابات بلدية مادبا في العام 1980، قد يحدث في انتخابات برلمانية مقبلة؟!!، ولكن بوضعية مغايرة عما حدث في العام 1980 ، لان تعقيدات الوضع البرلماني مختلف عما يحصل في الحكم المحلي ، لان هنالك وجهة نظر ورؤية ذات منشأ غير محلي ،تنطلق من بعد مصلحي مرحلي يقضي بالحفاظ على الوضع القائم ألذي يحتفظ فيها “الشرق أردنيون” الذين يشكلون العمود الفقري في النسق ،بان يكون لهم الدور الأكبر والملحوظ في مؤسسات الحكم في الوضع الجديد المستقبلي في البلاد!!!!.الجواب يكون على شكل سؤال هو؛ هل مآل اليه نظام صدام حسين هو الحل هنا ؟!!!,
هنالك برهة للتفكير في مصير وحقوق” الأقلية الجديدة ” في إطار خيار دولي في إيجاد حل
لقضية فلسطين على حساب المستقبل السياسي لهذه “الأقلية” وتحويلها الى مكون أساس في إطار دولة عملاقة تحتضن التنوع ويعيش فيها الجميع بأمن وأمان وعدل وحياة كريمة, والبديل في حال الخيار الثاني هو الصدام مع مكون بات يشكل الأغلبية في النسيج الاجتماعي في البلاد.
معطيات هذا الصدام في حال حدوثه لا سمح الله وأسبابه ، تفرض على طرف من طرفيه طلب الحماية الخارجية وهي جاهزة للتدخل السريع لحسم الأمر لصالح طرف أخر وفق مقتضيات مصلحة القوة الخارجية .
مؤشرات الصدام بدأت تلوح في الأفق بعد الاعتراف بيهودية “النظام الإسرائيلي” في فلسطين المحتلة ، وفرض حل “مذل ” للقضية الفلسطينية توافق عليه سلطة عباس ويقبل به غالبية عرب فلسطين في الداخل والخارج ، في وقوع تغييرات دراماتيكية في إحدى دول الطوق ، أو نشوب حرب تؤدي الى انهيار معسكر المقاومة والممانعة لا سمح الله.
العقد الاجتماعي في الأردن،أساسه النظام النيابي والملكية الوراثية والقضاء المستقل ، لقد أصيب النظام النيابي بالشلل التام نتيجة الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية المحتلة في العام 1967، حيث تعطلت الحياة النيابية لفترة طويلة، جرى خلالها تعديلات جوهرية على الدستور وصلت إلى 33 تعديلا ، لمواجهة هذه الإشكالية التي اعترضت المسيرة النيابية في الأردن، بالإضافة إلى الصراع مع منظمة التحريرالفلسطينية حول حق شرعية ووحدانية التمثيل لعرب فلسطين مرورا بإحداث أيلول 1970،وقرار قمة الرباط 1974 ، وإعلان فك الارتباط 1988الاداري والقانوي مع الضفة الغربية ،وانتهاء في مرحلة الوادي وتداعياتها .
*صحافي ومحلل سياسي من الاردن/ [email protected]

شاهد أيضاً

بدء التسجيل الكترونيا لمؤسسة التدريب المهني

هرمنا الاخباري – تبدأ مؤسسة التدريب المهني الأحد، استقبال طلبات القبول والتسجيل للدور الأول للعام …