أخبار عاجلة

اللوباني يكتب – نافذة حنين ..

وكالة هرمنا – خالد اللوباني – لم تكن قد كتبت سوى كلمتين عندما قامت وعلى نحو مفاجئ بتمزيق الورقة نتفاً صغيرة، ثم أشعلت سيجارتها السادسة واتكأت على حافة النافذة تجوس بعينيها في الفضاء على غير هدى، والشمس تغرق خلف الجدران العالية مصادرة معها الكثير من الضياء، ذلك المشهد الذي يشعل في مساءاتها الكثير من الدفء والحنين، ولم تتنبه إلى الوقت الذي أمضته إلا حينما لمع ضوء شديد في عينيها عندما أنار أحدهم غرفة في البناية المواجهة لمنزلها، عندها فقط أدركت أنها كانت قد أبحرت لأكثر من ساعتين في إغماءة جابت خلالها فضاءات بعيدة من ذاكرة لم تزل راعفة، وعندما استدارت لتترك النافذة أثار انتباهها تصرف تلك الفتاة، التي كانت قد أضاءت الغرفة قبل لحظات، حيث كانت تستخرج من حقيبة جلدية متوسطة الحجم كومة من الرسائل باشرت بتمزيقها دون أن تكلف نفسها عناء معرفة هوية المرسل، وعندما انتهت جلست على الطاولة وانهمكت في الكتابة.. المشهد اضاء في ذاكرتها شيء ما فعادت للاتكاء على حافة النافذة ومتابعة المشهد الملفت، عندما كانت تلك الفتاة لا تعطي نفسها الوقت وهي تكتب وكانت تعود وبعصبية ظاهرة لتمزق الأوراق التي احتضنت كلماتها القليلة ثم ألقتها أرضا.
أكان صعباً علينا إلى هذا الحد أن نعيد تشكيل حياتنا؟

الأمر تحول إلى مشكلة حقيقية بسبب العجلة وإصرارك على حرق المسافات لم أفهم ما تقصد؟

عدم فهمك زاد الأمور تعقيداً، وأوصلنا إلى هنا.

أنت كنت ضعيفاً أكثر من اللزوم.

أيعد ضعفاً أن أكون رحيماً وباراً بالآخرين؟

ولكنني زوجتك أيضاً وأحبك أكثر من أي شيء آخر وأنا أحق منهم بهذه المشاعر.

لو أحببتني كما أحببتك، أو لو أحببت شيئاً آخر غير نفسك لاستطعت تفهم الأمر.

ألقت بمرساة ذاكرتها قليلاً لتتابع مشهد تلك الصبية في النافذة المقابلة التي نهضت فجأة لتتحدث بالهاتف بطريقة عصبية انتهت باقتلاعها للسلك وقذفه نحو أحد أركان الغرفة، وتعود مجدداً لكتابة الأوراق وتمزيقها لتكبر دائرة الأوراق الممزقة المحيطة بها.
ألا يوجد لديك حل آخر؟
لابد أن أرحل عن حياتك وأتركك للآخرين لتعرفهم على حقيقتهم، وتدرك مدى أهميتي في حياتك.

ومن قال إنك غير ذات أهمية بالنسبة لي، فأنت جزء من روحي.

عجيب أمرك تحمل لي هذه المشاعر وتساوي بيني وبين أمك وأشقائك.

أنا لا أساوي بينكم، ولكن لكل منكم موقعه الخاص في قلبي وهم يدركون ذلك.

وأنا لا أقبل بذلك.

بذهول شديد حمل حقائبها نحو سيارته لنقلها إلى منزل عائلتها حيث اختارت، والصمت الذي كان سيداً بينهما مع تحرك السيارة بقي حتى النهاية، واكتفت هي فقط بنصف استدارة نحوه وهي تدخل المنزل فيما هو يقف غير مصدق ما يحدث، وحتى عندما غابت في الداخل بقي لفترة طويلة منتظراً خروجها والعودة معه مجدداً، وعندما مضت أشهر عدة على رحيلها دونما أمل بعودتها اضطر لقبول عرض العمل في إحدى الدول العربية والسفر إلى هناك.
الإحساس بالخسارة بدأ يكبر بداخلها تدريجياً عززته حالة الفقد والغياب لمن كان مجرد وجوده قريباً منها حتى لو لم تلتقيه يدفع بالأمان إلى قلبها.. الإحساس الكبير بالفقد والخسارة أخذ باستنزاف مخزون العناد والصلف لديها فبدأت بتجربة الكتابة إليه ولكنها سرعان ما كانت تمزق ما تكتب.
الضوء القادم من النافذة المقابلة الذي خفت بشكل كبير انتزعها مجدداً من براثن أمواج بحر الذكريات ودفعها لمحاولة تقصي سر ذلك، فقد حجبته أكوام الورق الممزق الذي اختفت خلفه الفتاة أيضاً وتحولت إلى مجرد شبح خلف الركام الأبيض المرصعة كل ورقة منه بكلمات قليلة.
استدارت نحو الطاولة مجدداً وباشرت بكتابة رسالة مطولة، فيما كانت الريح في الخارج تطير أوراقاً ممزقة انهمرت من النافذة المقابلة.

شاهد أيضاً

تعزيز تنافسية المنتج الأردني

هرمنا الاخباري-نستطيع القول أن تعزيز تنافسية المنتج الأردني تعتبر حلقة أساسية في اطار الجهود التي …