أخبار عاجلة

الفريق محمد الرقاد … د. صلاح الدين المومني هيوستن- تكساس

هرمنا في صيف عام 2010 قمت برحلة مع عائلتي في بضع ولايات أميركية امتدت من تكساس ومروراً بالعديد من الأماكن الجميلة التي تغص بها ولايات الجنوب ووالوسط بما في ذلك ال “سموكي مونتنز Smokey Mountains” الجبال التي يصعب ترجمة معناها لأنني أخشى ان يظن البعض أنها جبال تدخن الأرجيلة أو السجاير.
تحدثت مع امي عبر الهاتف من تلك المنطقة وأخبرتها بأننا في رحلة عائلية في ربوع مهجرنا، وحينها سألتني متى بدك “تبطل مشاغبة” وترجع للأردن؟ أقسمت لها بأنني سأشرب القهوة بحضرتها في صيف عام 2011. ردت الحجة أم محمد وقالت “كيف بدك تيجي وانت كسرت كل الجسور والجماعة بتحلفولك” تقصد المخابرات. قلت لها إذا أراد الله ذلك فسيكون كل شيء وفق إرادته، وفعلاً بدأت التحضيرات.
في خريف عام 2010 حصلت على رقم مدير مكتب مدير المخابرات العامة الأردني آنذاك محمد الرقاد -يرحمه الله- واسمه فراس شوقي. حدثته حينها بأنني سأعود صيف عام 2011 إلى الأردن لكن اود أن أعرف الأرضية التي ستتعامل معي بها دائرة المخابرات خصوصاً بعد اتفاقي مع مديرها السابق محمد الذهبي على إعادة جواز سفري حيث كان الجدل طويلاً بيني وبين وسيطه ولا أود ذكر التفاصيل هنا.
قال لي مدير مكتب الرقاد باشا بأنه سيبحث في الأمر ويعاود الاتصال بي، لكن وكما نقولها في لهجتنا الأردنية -هذاك وجه الضيف- حيث لم يتصل ولم أجد منه ردّاً. وبغض النظر فقد حجزت بطاقات سفر عائلتي مبكراً للحصول على أسعار مخفضة وأبقيت حجزي حتى أتمم عقد عمل جديد.
مرت الأيام ونسيت الموضوع لكنني كنت مصراً على السفر للأردن رغم العقبات السياسية. كنت في مكتبي صبيحة أحد أيام كانون الأول تلقيت مكالمة هاتفية من ضابط مخابرات قريب لي وأخبرني أنه يود الحديث معي بتفويض من قبل الباشا محمد الرقاد.
سألت قريبي هذا ولم الأمر بهذه الصورة الآن؟ قال لي الباشا يريد فتح حوار مع المعارضة وطلب منه أن يتصل بي، وهذا متعارف عليه في الأردن بأن ترسل الدائرة أحد الأقرباء حالما تريد تسوية أمر من الأمور مع المعارضين، ونحن منذ اللحظة الأولى نتفق بأن الأردن يمر بمراحل كسر عظم بين المعارضة والنظام لكنه لا يصل حد الدموية مطلقاً.
تحدثت طويلاً وعلى فترات مع ابن العم وأخبرته بملخص قراري بأنني سأزور بلدي شاء من شاء وأبى من أبى ولا تهمني المآلات. حينها قال لي: لا يهمك شيء والباشا يريد للمعارضة أن تكون صوتاً من داخل الوطن، وليس المطلوب منك إلا النقد الموضوعي.
في تلك الفترة أو قبيلها لا أذكر بالضبط حصل اتصال من طرف الدكتور أسامة فوزي لأمر لا علاقة له بهذا وإنما لشيء آخر وتكرر الاتصال حتى قضي الأمر وأذكر أن من بين ما تحدثنا به مسألة سفري إلى الأردن ونصحني بالتريث، لكنني كنت مصراً على ذلك.
بعد أسبوعين او ثلاثة اتصل بي قريبي ضابط المخابرات وأكد لي بأن ملفي طوي عند الدائرة بأمر من الباشا الرقاد، وأنه سيذهب (قريبي) ووالدته لإخبار أمي وطمأنتها. وتم ذلك فعلاً لكن بقي شيء من الشك في صدق هذا السيناريو.
قمت بتجديد عقد العمل ومن ثم حجزت بطاقة سفري وبحمد الله هبطت الطائرة فجر 17 حزيران من عام 2011 على مدرج مطار الملكة علياء وكانت أمي في استقبالي ولم تحدث أي من المفاجآت غير السارة، بل كان استقبالاً حافلاً تكلل بابتسامة أمي التي ربما فارقتها زمناً طويلاً كما انحنيت للكبرياء من جديد وقبلت يدها في قاعة استقبال المسافرين. شربت القهوة بحضرة أمي كما أراد الله، والحمد لله أن بررت القسم.
بعد أسبوعين تم اللقاء بيني وبين ضابط المخابرات الذي أبلغني بعد حديث طويل بأن الباشا يريد لقائي في مكتبه. حصل خلل في الموعد وسوء فهم وقابلت مساعده كضيف وليس كمطلوب. حينها سألني مساعد الباشا كيف أشرب قهوتي، فقلت (شربناها كثير مرة واليوم بدي القهوة حلوة).
جلسنا نتحدث بأشياء كثيرة، وللحق لم يحرجني بأي سؤال وكان لطيفاً جداً ثم طرق الباب أحدهم وسألنا إن كنا نحب تناول الكنافة، وهنا تدخلت بسرعة وقلت له (نعم عشان أحلف إني أكلت كنافة بدائرة المخابرات). ولكي لا يذهب أحدهم بعيداً في التخمين فقد كان السبب نجاح ابنة احد الباشوات في الثانوية العامة بمعدل عال ويوزع الكنافة في جناح الإدارة.
لم ألتق الباشا محمد الرقاد، لكن كانت كلمته كلمة شرف وموقفه رجولي ولم يخلف بوعده بغض النظر عن أي سبب. أذكر هذه للباشا الذي غادر دنيانا إلى دار الحق، وأقولها على الملأ بأنني ترحمت عليه وسامحته لموقفه الرجولي ولشهامته التي جعلته يفي بعهده.
أتذكر هذا وأتذكر موقف الدكتور عمر الرزاز ووزير الخارجية ومدير خلية الأزمة حينما طلبت منهم استثناءً بأن أعيد زوجتي وابنتي إلى الأردن وكلاهما تعانيان السرطان وبمراحل متقدمة، طلبت منهم ان يكون الحجر في بيتنا وليس في الفندق حفاظاً على حياتهما فوعد الرئيس ثم أخلف ولم يتسنى لنا إبعادهما عن الوباء الذي يعد بمئات الآلاف في مدينة هيوستن. في الوقت نفسه كان اولاد الذوات يتوافدون إلى الوطن بلا منصة وبرحلات غير مسجلة.
اليوم أترحم على رجل وفى بوعده ولم يخلفه وأقول للمسؤول الأردني: العمر قصير ولن تنفعكم مقاماتكم ولا رتبكم، فخدمة الشعب مقربة إلى الله، وتخفيف العبء عن المواطن من أحب الأعمال إليه سبحانه. ولو تراجعتم عن ظلم رعيتكم فتلك مكرمة تذكر لكم، والشعب لا ينسى مهما طالت الأيام.
رحم الله الباشا محمد الرقاد، أدعو له بكل تضرع بسبب وفائه وعدم خذلان مواطنه، أما حقوق الوطن الأخرى وحقوق المواطنين الآخرين فتلك بين يدي الله وهو الآن بين يدي الله كذلك، ولعل حسنة تتضاغف لتثقل الميزان. رحمك الله يا ابن الأردن ورحم الله كل الأوفياء.

شاهد أيضاً

الملك يزور البادية الوسطى ترافقه الملكة وولي العهد

هرمنا الاخباري-زار جلالة الملك عبدالله الثاني ترافقه جلالة الملكة رانيا العبدالله، وسمو الأمير الحسين بن …