أخبار عاجلة

المخابرات والقضاء … المحامي بشير حسن المومني

هرمنا – الاشتباك المعرفي مع ما تمثله مؤسسات الدولة يصنف كحقل ألغام ويستلزم كثيرا من الحكمة وبعد النظر وبرود الاعصاب في الازمات وهو مسألة في غاية التعقيد ويحتاج الى خبرات طويلة وعميقة وفهم طبيعة السيستم – ولا ادعي هذه المهارة – لكن على الاقل لقد حظيت بهذه الفرصة من خلال معلمي واستاذي رجل الدولة والتاريخ الوطني دولة رئيس الوزراء الراحل أحمد اللوزي رحمه الله تعالى ، اما القضية المعرفية هنا نأخذها بمفهوم تشكيل حصيلة الحكمة في الحكم أما هذه الحكمة فتتأتى من ثلاث طرق بالتعلم وهي أسهلها وبالتجربة وهي أصعبها وبالتأمل وهي أنبلها لكن هل يوجد فيلسوف للدولة قادر على جمع ذلك كله والاجابة على أهم الاسئلة الوجودية للدولة وماهية رسالتها !!؟؟

في الأردن هنالك الكثير من المتعلمين لكنهم يفتقرون الى الخبرة ولقد شهدنا دس حملة الشهادات العليا على الميدان في المرفق العام دون طحن العمليات وأدى ذلك لضرب قواعد الاستقرار ، أما اهل التجربة فيتوجب ان يكونوا أصحاب حالة تكتيكية عميقة ميدانيا هذا صحيح لكن عادة ما يفتقرون للتصور الشمولي لذلك نشأت أفسد الادارات وهي ادارات التكنوقراط المفتقرة للتخطيط الاستراتيجي باعتبارها ادارات مستبدة تتشبث برأيها غير الناضج ، أما ( المتأملون ) التكيوستراتيجيون ابناء الميدان في نفس الوقت فهم ندرة وبالكاد نستطيع التقاط شخص واحد في الأردن كله يمكن اعتباره فيلسوفا ومنظرا للدولة وفي حال وجد شخص معرفي فهو اغلب الاحوال عاجز عن اسقاط مدخلات مدركاته على مخرجات ومنتجات وواقع الدولة ، ومن هنا ظهرت الاهمية الفريدة لوجود الغشاء العاقل للدولة الذي يستطيع ان يشتبك ميدانيا ويقيم استراتيجيا ويسقط عملياتيا أما هذا الغشاء العاقل فهو ( الدائرة ) بلا منازع ..

في أحد الايام قال لي دولة العم الراحل ابو ناصر رحمه الله تعالى ( يا بشير في الاردن هنالك مؤسستين قائمتين على التفكير والتخطيط هما المخابرات العامة والبنك المركزي .. ) فوقع في قلبي قوله تعالى ( الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) ، شخصيا أنا أعشق هذا الجهاز كمؤسسة أردنية فهو يمثل باكورة العبقرية الأردنية ولا يوجد كتاب او مجلة متخصصة بالشؤون الأمنية تقريبا إلا وقد اطلعت على مفرداته ومحتوياته ومشتملاته لذلك فإن التقييم هنا يستند لأسس موضوعية لا حالة مزاجية واذا كان للدوافع الشخصية من محل واعتبار فالاصل ان اكون على التضاد والنقيض لهذا الجهاز لاسباب شخصية ليست محل بحث ، لكن عندما يتعلق الأمر بالأردن لا أملك إلا أن اكون منصفا موضوعيا في تقييمي وأن أرفع قبعة الاحترام لهذا الجهاز العظيم ..

لا اريد ان ادخل في تفاصيل يكمن بها الشيطان لكن المقدمات اعلاه ضرورية لنقل رسالة الى المجتمع الاردني حول ما يتعرض له هذا الجهاز من محاولات لاضعافه من خلال اثارة صورة مشوهة وغير حقيقية نهائيا حوله وبناء تصورات ذهنية تراكمية سلبية وجعلها مسلمات مرحلة مضافة لاستحقاقات المستقبل فالنظام الاردني كله بوصفه ( نحن ) لا بوصف ( الملك ) كما وضحنا سابقا مستهدف بالصميم وهنالك عملية اقليمية معقدة جدا وصلت لمراحل متقدمة جدا يراد فيها تصفية القضية الفلسطينية ولا يمكن الوصول لهذه النقطة الا من خلال إضعاف الحالة الوجودية الاردنية بشكلها الحالي لتغييرها وصفا وكما وماهية ، أما الجهة الوحيدة في الأردن القادرة على ادارة عمليات الذكاء وتفكيك او بناء المشهد المضاد فهي دائرة المخابرات العامة التي تعتبر عقبة كاداء بمواجهة هذه المشاريع لذلك نرى مجموعة من العمليات المتوالية التي تستهدف الجهاز ومحاولة اضعافه وتحجيمه واسقاطه بكل الوسائل المتاحة منذ العام 2010 ونرى ما يسمى المعارضة الخارجية تقود وتوجه وتسقط الافكار والمعلومات والقصص المفبركة والتحليلات المشبوهة والتي تستهدف عناصر القوة الاردنية وعلى رأسها دائرة المخابرات العامة ..

القاعدة الاساسية بعمليات الاشتباك وادارة الصراع هنا هي كالاتي ( لا يمكن اسقاط واعادة بناء اي منظومة سياسية سيادية قائمة الا بتفكيك منظومتها الامنية ) وهذا هو حقيقة ما يجري على الارض ولا يمكن نهائيا تمرير اي وصفة تصفية للقضية الفلسطينية الا من خلال المشاغلة الامنية واغراق الاردن بمستنقع الفوضى وتحجيم الدائرة ونزع صلاحياتها ومحاولة اتباعها لجهات الفراغ واللا استقرار وبالطبع وفي كل المحاولات السابقة وعلى رأسها استحضار إرث الستينيات والسبعينيات وانقلاب الاخوان عام 2011 وتغير طبيعة العلاقة الاستراتيجية مع هذا التنظيم المخترق حتى النخاع كانت الدائرة ولا تزال هي درع الوطن السميك الذي تتكسر عليه كل المؤامرات ومحاولات الاختراق لتفكيك الاردن برمته واسقاطه في نمطية المشهد الاقليمي ومتوالية انهياراته لذلك كانت الدائرة ولا تزال وستبقى بإذن الله مؤسسة راسخة مستقرة و درة التاج الأردني ..

مخابراتنا مؤسسة وطنية سيادية دستورية يحق لنا كأردنيين ان نفاخر بها الدنيا وبسبب طبيعة العلاقة الوثيقة التي تتمتع بها الدائرة وما لها من احترام شعبي واسع النطاق وما قدمته من قيمة تاريخية واخلاقية كباقي مؤسسات القوات المسلحة تجري اليوم محاولات حثيثة لفصلها عن واقع خزانها الشعبي لكن هذا الشعب يثبت وفي كل مرة وعندما يتعلق الامر بأمنه واستقراره بانه ينحاز للدائرة وللجيش وللامن العام وبأنه وفيّ للدولة التي بناها وأنه يدرك في عميق ضميره الجمعي الوطني أنه يمكن ان يعول على الدائرة عند الشدائد وأن دائرته منه واليه تحترم نفسها ووعودها حتى لاشد المعارضين وانها ليست كغيرها من اجهزة امنية لدى الغير غارقة في دماء شعوبها بل تحرص على الدم الاردني ..

لنعد قليلا الى الوراء فتجربة تفجيرات فنادق عمان كانت قاسية جدا وكانت هي اللحظة التي انتقل فيها جهاز مخابراتنا من تكتيكي دفاعي لاستراتيجي هجومي ليقوم بتوسيع نشاط عملياته خارج حدوده وليضرب خارج هذه الحدود وليفكك ويحبط المؤامرات على الوطن الاردني في مهدها وهذا بالطبع اقلق المحيط والاجهزة المنافسة والتي دفعت بكل قوتها في محاولات تحريك الشارع الاردني من خلال منظمات وتنظيمات وادوات مالية واعلامية انفف عليها مئات الملايين – بلا جدوى – للنيل من اهم منجزاتنا وما يتجسد فيه هذا الانجاز ( الدائرة ) التي تمثل الاستقرار ويكفي الجهات المناوئة للدائرة خزيا بأنها تتبنى نظريات ومطالب الجهات الصهيونية في طروحاتها ومن لا يصدق فليقرأ مخرجات مراكز الدراسات والاعلام الصهيوني ليتأكد بنفسه من مطابقات الحالة ، ملحوظة بسيطة على الهامش نسديها لاخوتنا الاردنيين في هذه المؤسسة العريقة ( إياكم والغرق في التفاصيل فإنها تحول دون رؤية المشهد الكامل ) وهنا كمراقب ومتابع لنشاط ومؤسسات الدولة وكيفية اتخاذ القرار ومن لاعج القلب اشكر التقاطهم لما كنا نتحدث به من تفكك خطوط انتاج القرار الوطني العام واعادتهم ربط خطوط الانتاج فيما بينها ..

على النقيض من الدائرة سنتحدث باقتضاب عن مرفق دستوري مهم جدا ويمس مباشرة ايضا بمصالح الاردنيين وشعورهم بالاستقرار تعرض ويتعرض لمخاطر جسيمة الا وهو القضاء ، فاذا كانت الدائرة تمثل حالة مستقرة من المؤسسية فالقضاء الاردني يمثل حالة اضطراب ووصف ذلك فهو في المعادلة التالية ( لدينا قضاء وقضاة جيدون ولكن لدينا تشريعات سيئة للغاية تنعكس على غاية الحكم ) فمنذ فترة طويلة جرى استهداف منظومة العدالة الاردنية التي تفصل ما بين الخصوم لاشاعة الفوضى المجتمعية ولافقاد الافراد ايمانهم بعدالة الدولة وقدرتها على تحقيق وتطبيق مخرجات هذه العدالة ، فلقد جرى صناعة نظام قانوني يمايز ما بين الاطراف على اسس طبقية والشكل فيه على حساب العدالة وجرى تغيير ادوات ومفاهيم التنفيذ للاحكام او يراد ذلك تحت بند العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي جرى حرف مفاهيمها باعتبارها تمنع حبس المدين واليوم نقرأ عن توجه لرفع الحماية الجزائية عن الشيكات والنتيجة هي .. مزيد من الاضطراب

تعديلات كثيرة متوالية على القوانين منها اكبر جريمة بتاريخ الاستقرار التشريعي عندما اصدرت احدى الحكومات اكثر من 250 قانون مؤقت دفعت لتعديل الدستور لمنع تكرار هذه الخطيئة ولعل اسوأ ما يحصل اليوم من عبث بالقوانين ما يسمى بأوامر الدفاع اللادستورية التي عبثت بمرفق القضاء وتجاوزت عليه وعطلته وجعلت منه مرفقا غير فعال بالشكل الطبيعي لتضربه وتضرب مخرجاته واحكامه من خلال تشريعات لا يحق لرئيس الوزراء انشائها بل يحق له فقط تعطيلها ، هنا نتحدث عن مسألة غاية في الحساسية فعندما يفقد الانسان ايمانه بمخرجات القضاء بالدولة او انها عاجزة عن تنفيذ القرار العادل سيلجأ الى اقتضاء الحق بالذات وتزدهر اعمال البلطجة والخروج على القانون لعدم جدواه مما سيشيع الفوضى ، اما قانون استقلال القضاء نفسه فلقد اخفق في ضمان استقلالية القاضي بالشكل المتوخى منه تحت طائلة العقوبات والتأديب وانهاء الخدمات والاقالة فالقاضي يتوجب ان يستقل عن القلق والخوف على مستقبله الرسالي أيضا ويحرم اشد التحريم تحويله من صاحب رسالة دستورية الى التعامل معه كموظف فهو سلطة ولا يتبع السلطة ، ناهيكم عما يعانيه القاضي من ضغوط في مجالات الحياة الاعتيادية من ضغط عمل هائل ومتطلبات السرعة والانجاز على حساب النوع ويكفي مثلا ان نعلم بأن القاضي يحتاج لموافقات مسبقة حسب نظام التأمين الصحي لمراجعة مستشفى والحصول على حق الاستطباب والعلاج ..

نأمل ان يتغير ذلك كله ونعيد ونكرر بأن لدينا قاضي جيد لا بل ممتاز لكن لدينا منظومة تشريعية سيئة تمس بعمل القاضي وتحد من طاقاته وابداعه وتعمل على احباطه ولابد من تعديلها ، هنا ملحوظة ليست على الهامش ابدا .. طائر العدالة لا يمكن ان يحلق بجناح واحد ولابد للجناح الثاني ( المحامون ) ان يخفق بتناغم وتوافق مع الجناح الاول ( القضاء ) اما حكاية استهداف المحامين وتفكيك مصادر رزقهم فهذه حكاية اخرى نتناول فيها مؤسسات المجتمع المدني وما لها وما عليها ودورها السياسي والامني والاقتصادي والاجتماعي في المقال القادم ..

المحامي بشير المومني

شاهد أيضاً

المبيضين: لم نرصد خلال الساعات الماضية أية محاولات للاقتراب من سمائنا 

هرمنا الاخباري-قال وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور مهند مبيضين ” نحن معنيون …