أخبار عاجلة

تغيٌّر الأحوال إلى أهوال وبعض النواب إلى نوائب.

هرمنا الاخباري – عمان – بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي .
………………….
لقد ولدنا في الستينات وترعرعنا بالسبعينات ثم تبحبحنا بالثمانيات والتسعينات و كانت معادلة الحياة وقتها مفهومة وبسيطة ، المعادلة كانت 1+1=2 ولم يكن فيها لا معامل س ولا ص ولا كان هناك فيها أي اشتقاقات لمعادلات أخرى معقدة .
كان الوطن كله رجولة بشيوخه ونوابه وشبابه ، وكان كله عراقة وأصالة بنشمياته اللواتي كانن منهن الشيخة علياء الضمور وبندر ومشخص وصبحى وصالحة .
كانت البيوت من التِبنّ والطين وكانت الطوابق فيها عقدات مثل محاريب المساجد ، والأساسات تقوم فيها على العزة والكرامة والبركة والثقة بالله العالم بالأحوال .
لم يكونوا يعرفون الإسمنت ولا الحديد في الأساسات، و كانت القواعد خشبية طينية وتِبنِيّة ولكنها كانت مُعَمِرة ودافئة شتاء ورَطِبة صيفا وتتسع للقبيلة والعشيرة ، وكانت حماماتها بالخلاء وحيشانها مجالس رجال .

بالخمسينات كان مبنى مجلس النواب شِبه منزل صغير ومحتوياته كانت كراسي صف وطاولة وسط ، وكان نواب المجلس عبارة عن اهرامات شامخة لا تفكر إلا بمصلحة الوطن والشعب والقيادة و لا تهتز لا للجونيات ولا لتوافه الأمور مثل الرواتب والسيارات والتعيينات والجاهات والسفرات .

أما الأَن وبعد الإحتفال بمرور مئوية على تأسيس الدولة ، للأسف صارت معظم الناس خسرانة ، وأحوالهم متقلبة منقلبة ، فها هم الذين كانوا مخلصون في وظائفهم وأعمالهم أمثال الشهداء الذين ضحوا بحياتهم ، او بعضا من القادة الشرفاء في الجيش والأجهرة الأمنية ، وبعضا من النواب الشرفاء و رؤساء مجالس النواب او رؤساء الوزارات والشيوخ وبعضا من الشخصيات الوطنية التي كان لها الأثر الإيجابي و الشعبوي في إنتاج هذا الوطن والحفاظ على هويته وقيام هذه الدولة ، ها هم ينقرضون ويتناقصون وتسيطر عليهم البنوك الربوية بحيث تغتصب منازلهم وممتلكاتهم وتعرضها للبيع بالمزادات العلنية ، وصارت تسيطر ليس فقط على ارثهم وإنما على حياتهم وحياة فلذات اكبادهم وتطمس تاريخهم أو تزوره مما جعلهم يموتون مجلوطين بسكتات قلبية أو نزلاء بالمراكز الإصلاحية على قضايا مالية .

وبالرغم من كل هذه المُنغِصات والحياة الصعبة والمثقلة بالديون والضرائب والرسوم والمخالفات وجنونية إرتفاع الأسعار ، فما زال المواطن الأردني يختلق لنفسه عادات إجتماعية مرهقة تزيد فقره فقرا وبؤسه بؤسا ، فالمناسبات الإجتماعية المستقاة من عادات وأعراف كانت بالماضي جميلة ومقدور عليها في زمن البحبوحة ، صارت متشعبة ومتعددة ومرهقة معقدة ، فالعزاء مثلا كان لثلاثة أيام فقط ، وكان كل أهل القرية يطفئون التلفزيونات والراديوهات ويساندون اهل الميت ويدعمونه بكل المستلزمات المادية والنفسية ، وكان الفرح والترح عبارة عن بيت شَعَر يشترك في تأمين احتياجاته كل أهل القرية ، كنا نركب التراكتورات والبكبات ونزور منازل أهالي القرية منزلا منزل لنجمع الفرشات والمخدات والطناجر والسدور ، وكانت المساهمات (النقوطات ) عبارة عن شوالات من السكر والرز تقدم من الرجال وخرايط قماش وناشد إخوان من النساء ، وكانت الخرفان نقوط للعرسان تذبح للمهنئين والمهنئات، وكانت أيضا هناك ولائم للعرسان والمناقيص (اهل الميت ) من قبل اهل القرية على مدار اسبوع أو لمدة شهر أحيانا .

كانت حفلة(نصة) العرسان على المنصة (اللوج الخشبي) المغطاة بالسجاد والمُزيٌنة بالبلونات والزركشات في بيت والد العريس ، وكان ال DJ عبارة تراويد فلكلورية وزغاريت ورقصات سامر ودبكات شعبية على الطبلة(الدُرّبَكه) ، والله أنها كانت بحق فرحة قرية كاملة بالعرس وكانت تحزن كلها بالتَرَح .

ثم تغيرت الأحوال وقسموا العزاء إلى عدة مناسبات تقع كلها على كاهل أهل الميت ، حيث صاروا هم من يطعمون الناس حتى ولو كانوا غير قادرين ماديا من خلال إستلاف القروض أو التدين لأجل مسمى ، فهناك ولائم مكلفة تقام منذ لحظة وفاة الميت إلى أسبوع الميت إلى اربعينيتة ثم إلى سنويتة وهي كلها كلف مالية تقع على عاتق أهل الميت بحيث ترهقهم وتقضي على كل مدخراتهم المستقبلية .
حتى أن افراحنا ما عادت لها بهجة من كُثر التصنع والتكلّف فيها حيث ظهرت عندنا حفلات جديدة ومتعددة مثل حفل إعلان الحمل التي كانت النساء بالماضي تستحي من الكلام فيه ، إلى الجندر بارتي ، وثم الإحتفال بساعة الولادة ، ثم أسبوعية البيبي وشهريته وسنويته ، ثم بعد ذلك نأتي إلى طلقة طائشة أو خاطئة من محتفل أرعن بحيث تؤدي إلى إحداث عاهة دائمة أو إلى إقامة ميتم عند جاره و تحول الحفل إلى قضية قتل وتحقيق وحبس وتشريد وجلوة أطفال وتيتمهم .
ثم دخلنا بعد المئوية على مناسبات النجاحات بالتوجيهي والجامعة والتخرج من الجامعات حيث صارت الفاردات تعمل على احتلال و إغلاق الشوارع الرئيسية المؤدية إلى الفنادق والقاعات .

التخريج في هذا الزمن صار أثنين من ثلاثة حالات ، تخريج إلى الموت أو تخريج إلى الشارع حيث البطالة ، أما التخريج الثالث الذي كان بالماضي إلى العمل والإنتاج فهذا صار بزمننا حلما مستحيلا للشاب والشابة الاردنية ، لإنه حتى وإن تخرج من الجامعة فإنه سيكون حتما رقما من أرقام البطالة، أو نزيلا في مركز إصلاح وتأهيل سواقة ، أو مكتئبا مدمنا على المخدرات ، أو منتحرا من فوق جسر عبدون أو من فوق سطح عمارة .
لقد تغيرت الأحوال إلى اهوال وصار الحال بالعيش محال ، إلا إن يفرجها علينا الرب المتعال القادر على تغيير الأحوال من الأهوال إلى احسن الأحوال .

شاهد أيضاً

مركز شابات العاصمة يحتفي باليوم العالمي للعمال

هرمنا الاخباري-نظم مركز شابات العاصمة احتفالاً بمناسبة اليوم العالمي للعمال بحضور أعضاء من المركز والمجتمع …