أخبار عاجلة

الدولة والقبيلة – ثنائية العقد الاجتماعي الأردني- سليمان بن غيث

هرمنا – الدولة والقبيلة : ثنائية العقد الاجتماعي الأردني. منذ تأسيس إمارة شرق الأردن عام ١٩٢١ كانت القبيلة حاضرة بقوة في بنيان النظام السياسي الأردني، هذه القبيلة كانت المدماك الاول الذي بُنيت فوقه مؤسسات الدولة السياسية والخدمية والعسكرية، وهذه الحالة ليست في الاردن فقط، بل في جميع الدول العربية التي كانت تعيش في جنباتها قبائل كانت أشبه بمؤسسات مستقلة أو دويلات متنقلة تغزو وتقتل وتنهب وتسلب في سبيل عيشها وتحقيق مصالحها أو دفاعا عن أراضيها. في الاردن، فقد كانت اخر حرب قبيلية سنة ١٩٢٧ وبعدها قامت الدولة الفتية آنذاك بإجراء مجموعة من معاهدات الصلح بين القبائل الأردنية بعضها البعض وبين القبائل الأردنية والقبائل في الدول العربية المجاورة خصوصا قبائل نجد والحجاز والعراق.

هذا الصلح تم تحت مبدأ ( حفار ودفان) ، ويمكن اعتبار معاهدات الصلح هذه العقد الاجتماعي بين الدولة والقبائل والعشائر الأردنية التي قبلت الانضواء تحت سلطة الدولة الفتية آنذاك رغبةً منها في التخلص من ماضي الغزو الذي كان مرهقا ومؤلما للجميع ويتناقض مع أهم مبادئ الشريعة الإسلامية التي حرمت دم ومال المسلم بغير حق. في الآونة الاخيرة، طفت للسطح الكثير من الدعوات التي تنادي بإعادة الدور ( الاجتماعي-السياسي) للقبيلة والعشيرة في المشهد الوطني الاردني، وفي الحقيقة فإن القبيلة والعشيرة الأردنية لم تغب عن كافة المحافل والمشاهد الوطنية منذ تأسيس الدولة وحتى اليوم، وأبناء العشائر الأردنية لا ينادون بتحطيم مؤسسات الدولة كما يحلو للبعض الوصف لشيطنة العشائر الأردنية ورموزها من شيوخ ومخاتير ووجهاء لهم الدور الأبرز في حفظ السلم والوئام الاجتماعي بين أبناء المجتمع الواحد. إنما ظهرت هذه الدعوات لعدة أسباب متراكمة حدثت خلال العقد الأخير، من أهمها ضعف بعض مؤسسات الدولة وعجزها عن حيازة ثقة المواطن الأردني ، إضافة للوضع الاقتصادي المتأزم نتيجة جائحة كورونا وتأثيرها الاقتصادي على المواطن الأردني وما صاحبه من فقر وبطالة وصلت لنسبة مقلقة لا يمكن السكوت عنها.

العشائر هي العمود الفقري لجسد المجتمع الأردني وللبنيان السياسي للدولة، وكل شهداء جيشنا العربي وقواتنا الأمنية من أبناء العشائر ، ولا يمكن لأي مسؤول أن ينكر ذلك أو أن يتغاضى عنه، وفي المقابل فإن بعض النخب الحداثية التي حاولت وما زالت تحاول أن تقزم دور العشائر الأردنية هي نخب منسلخة عن الواقع الذي نعيش، ولم تقدم للوطن شيئا مفيدا، بل زادت الاقتصاد تشوها ونهبا وسلبا، ملؤوا جيوبهم وأفسدوا زرع الأردنيين وعاثوا فيه خرابا.

المطلوب اليوم هو جلسة ود ووئام بين أجهزة الدولة والعشائر الأردنية، للوصول لنقطة مشتركة تعيد الاعتبار لمؤسسات الدولة وتعمل على تقويتها لإنفاذ القانون دون مواربة أو وجل ، وفي نفس الوقت التأكيد على الدور المحوري للعشيرة الأردنية وتعزيز قوتها في مجال حفظ السلم المجتمعي ، واحترام رموزها وتقديرهم في كافة المحافل والمشاهد الوطنية، مع إجراء حوار وطني شامل وعام وفق رؤيا إصلاحية متقدمة تعزز مكتسبات الدولة بعد مئة عام من تأسيسها، والحفاظ على المعادلة المتزنة بين دولة القانون والمؤسسات وبين الدور المجتمعي للعشيرة الأردنية التي أثبتت دوما بأنها مع الوطن لا مع أي أحد آخر. يخبرنا التاريخ بأن العشيرة الأردنية هي التي ضحت وقدمت الشهيد تلو الشهيد، وهي التي بنت وعمرت ، فلا يجوز أبدا ولا تحت أي مبرر من المبررات التقليل من شأنها أو تهميشها بحجة اننا دولة قانون ومؤسسات، فالدستور الأردني سنة ١٩٥١ والحكومة البرلمانية الوحيدة سنة ١٩٥٦ كلها تمت في ظل حضور عشائري قوي دعمت هذه الإصلاحات وكانت سندا لصانع القرار في ذلك.

حفظ الله الوطن وجلالة القائد والشعب الاردني العظيم من كل سوء.

.

شاهد أيضاً

تربويات لافتة!

كتب د.ذوقان عبيدات هرمنا الاخباري-كان أبرز إنجازات النظام التعليمي منذ الستينات: سيادة القرار التشاركي، وقدرة …