أخبار عاجلة

مديونية الجامعات الرسمية بين الواقع والتضخيم

هرمنا الاخباري – عمان – د عبد الله الزعبي

لم أفصل في السابق بين الجامعات الوطنية، إلا أنني اليوم سأتطرق للجامعات الرسمية من حيث المديونية فقط، وخاصة أن الجامعات الوطنية الخاصة لا تعاني من مثل هذه المشكلة، لا بل تحقق أرباحاً في نهاية كل سنة مالية.

لقد لوحظ أن الحديث الرسمي والشعبي يزداد منذ أكثر من عقد من الزمن عن أسباب مديونية الجامعات الرسمية، فالبعض يعزي ذلك لنقص في التمويل الحكومي، أو انخفاض رسوم الساعات المعتمدة (مع أنها مساوية تقريباً لرسوم الساعات في معظم التخصصات في الجامعات الخاصة)، أو إلى تكلفة دراسة الطلبة المستفيدين من قانون التقاعد (الجسيم)، أو قلة الاستثمارات الجامعية، والبعض يشير الى كل ما ذكر من الأسباب، إلا أنهم أغفلوا السبب الرئيسي للأزمة المالية للجامعات، والذي يعود الى القرارات الإدارية الخاطئة أو الاسترضائية منها لتحقيق الشعبوية، والتي لا تظهر آثارها المالية مباشرة عند اتخاذها، (هذا ما خلص إليه لقاء جامعة اليرموك التشاوري الذي عقد في بداية العام، حسب ما أعلمني به أحد نواب الرئيس السابقين في الجامعة، والذي حضر اللقاء).
إن المدقق في التصريحات الصادرة عن أصحاب القرار بخصوص مديونية الجامعات، يجد الاختلاف الكبير فيها، فعلى سبيل المثال، صرح وزير التعليم العالي السابق، وحسب المنشور بتاريخ 10/1/2022، أن مديونية الجامعات الرسمية بلغت 100 مليون دينار، ثم تبعها تصريح آخر وبتاريخ 7/6/2022 يقول فيه إن مجموع موازنة الجامعات الرسمية بلغ 619 مليون دينار ومديونيتها 100 مليون، وهذا يعني أن نسبة الديون الى موازنة الجامعات الكلية هي بواقع 16.5 %، يتبعها تصريح آخر المنشور في الغد وبتاريخ 7/9/2022 من قبل الوزير نفسه يقول فيه، بأن مديونية 8 جامعات بلغت 173 مليون دينار، ويشير فيه لوجود ذمم مالية لصالح الجامعات على الجهات الباعثة بلغت 107 ملايين دينار، إلا أنه وخلال الحلقة النقاشية التي عقدت في منتدى شومان الثقافي وبحضور رؤساء الجامعات تم نشره بتاريخ 18/12/2022 يبين أن مديونية 8 جامعات بلغت 192 مليون دينار.
إن المتتبع لمثل هذه التصريحات يجد أنه من غير المنطقي أن تقفز مديونية الجامعات من 100 مليون في حزيران الى 173 مليون دينار في أيلول ومن ثم الى 192 مليون دينار في كانون الأول خلال العام 2022. إن مثل هذه التصريحات، أمر يثير الاستغراب، وقد يعود الى وجود خلل في التقارير المالية المقدمة لوزارة التعليم العالي من بعض الجامعات (فعلى سبيل المثال، سبق وأعلن أحد رؤساء الجامعات في شهر آذار أن مديونية الجامعة التي يترأسها بلغت 20 مليون دينار، ليعود ويخاطب الوزارة بكتاب رسمي في شهر تموز من العام ذاته يدعي فيه أن مديونية الجامعة تزيد على 40 مليون دينار). كما أنه لمن الملاحظ أحياناً أن بعض رؤساء الجامعات يعمد الى إظهار وجود عجز مالي في حسابات الجامعة الختامية، وعلى العكس من الواقع الحقيقي الذي يبين وجود وفر مالي فيها (مثال على ذلك، قيام إحدى الجامعات برفع قيم مساهمة الجامعة السنوية في بعض بنود الحسابات المالية والمقرة رسمياً وبما يزيد على المبلغ الحقيقي بأربع مرات ونصف، وفي بند آخر بزيادة بنسبة تقارب 48 % وغيرها، بهدف إظهار أن الجامعة تعاني من عجزا ماليا وبخلاف الواقع)، والغريب في الأمر أن مثل هذا الإجراء يمرر من خلال مجالس الأمناء والتعليم العالي دون التوقف عنده أو اتخاذ أي إجراء. وهنا أتفق مع ما تم نشره من قبل تيسير النعيمات والمنشور في الغد وبتاريخ 29/6/2022، شريطة أن يقرأ أيضاً وبالعكس وأقتبس «التجارب، أثبتت أنه في كثير من الأعوام، تقر موازنات تجميلية غير واقعية لبعض الجامعات، ليتم اكتشاف الخلل فيها بعد مغادرة رئيس الجامعة لموقعه، ويأتي جديد، ليكتشف ما خلفه سابقه من عجز في الموازنة…» وقول للأستاذ تيسير، بأن بعض الرؤساء الجدد عمدوا الى تغيير الواقع وتضخيم الأرقام لإظهار الجامعة بأنها تعاني عجزاً مالياً وهي لديها وفر. في مثل هذه الحالة، أرى أن الأمر يتطلب عقد لقاء في بث مباشر ومتلفز بين رئيس الجامعة السابق الذي يخلفه لكشف الحقائق للجميع.
إنه لمن المدهش أن يتم الحديث عن ارتفاع مديونية الجامعات بنسبة وصلت الى أقل بقليل من الضعف خلال ستة أشهر من العام 2022، وعلى الرغم من أن معالي وزير التعليم العالي الحالي وأمام مجلس النواب قد أعلن (شباط، 2022) عن العجز والوفر المالي السنوي للجامعات الرسمية؛ حيث تبين أن 4 جامعات أنهت السنة المالية 2020 بوفر مالي بلغ مجموعة ما يزيد على 10 ملايين دينار، وفي الوقت ذاته بلغ العجز السنوي لست منها ما يقارب 17.3 مليون دينار، الأمر الذي يجعلنا نتساءل من أين أتت هذه القفزات في مديونية الجامعات التي أعلن عنها في النصف الثاني للعام 2022؟ وما الهدف من وراء ذلك؟ ومن هنا لا بد من تدخل هيئة النزاهة وديوان المحاسبة (وخاصة بعد أن تم تعيين رئيس جديد له، وهو الأكاديمي المشهود له بقدراته المهنية والحيادية والمطلع على آلية إعداد حسابات الجامعات الختامية والمعتمدة على الأساس النقدي) للوقوف على حقيقة الأمر، ولمعرفة إن كان هناك تضخيم في بنود حسابات الجامعات الختامية والعجز المالي السنوي والتراكمي لها لبيان الحقيقة.
هذا مع العلم أن الكثير من الجامعات الرسمية لديها ذمم دائنة على الجهات الباعثة للطلبة تقدر بحوالي 107 ملايين دينار (حسب تصريح وزير التعليم العالي السابق للغد بتاريخ 7/9/2022)، وعند عمل مقاصة بين الذمم الدائنة والذمم المدينة لها، نجد أن الكثير منها يصبح لديها فائض مالي وليس عجزا كما يتم الإعلان عن ذلك.
على الرغم من أن مديونية الجامعات هي عملية تراكمية، كنتيجة لأخطاء سبق وأن ارتكبت في الجامعات، إلا أن الخروج منها عملية ممكنة في حال توفرت الإرادة والشجاعة في اتخاذ القرارات التي تخدم الجامعة (هناك حالات، بلغ الأثر المالي الإيجابي لعدد من القرارات الإدارية المتخذة ما يزيد على 35 مليون دينار خلال أقل من 5 سنوات، الأمر الذي أخرج إحدى الجامعات من أزمتها المالية) والبعيدة كل البعد عن القرارات الشعبوية والاسترضائية والمناطقية.
لقد حان الوقت لمراجعة آلية تقديم الدعم الحكومي للجامعات، وخاصة التي يعد أداؤها المالي بمرتبة جيدة (جامعات العلوم والتكنولوجيا والهاشمية والألمانية) أو التي تعافت من أزماتها المالية المتراكمة (الجامعة الأردنية والبلقاء التطبيقية وآل البيت الى حد ما)، ووضع خطة إصلاحية لبقية الجامعات ضمن فترة زمنية محددة لا تتجاوز 3 سنوات، للخروج من أزماتها المالية، والإبقاء على الدعم لجامعات الطفيلة التقنية والحسين بن طلال وآل البيت بدرجة أقل. إن مثل هذا الإجراء سيؤدي الى توفير مبالغ مالية تقدر بعشرات الملايين من الدنانير من الموازنة المخصصة للتعليم العالي، والتي يمكن استغلالها في إنشاء صندوق استثماري خاص وتوجيه إيراداته في التوسع بدعم أو إقراض الطلبة في الجامعات الوطنية.

شاهد أيضاً

بدء امتحانات الشامل العملية غدا

هرمنا الاخباري-تبدأ يوم غد الاثنين، امتحانات الشامل العملية للدورة الربيعية للعام الحالي وتستمر إلى يوم …