محليات

مصر وفلسطين : سنــد تـاريخـي وحكمة تـتـحــدى العــواصــــــف

هرمنا- تشن جماعة الإخوان المسلمين حملة شرسة للتشكيك بدور مصر العروبي من خلال أبواقها المشؤومة وتحركاتها المشبوهة في محاولة للإساءة لدور مصر المساند والداعم لفلسطين وشعبها منذ العام 1948، وآخرها ما قامت به «الحركة الإسلامية» أمام السفارة المصرية في تل أبيب، والذي ردت عليه وزارة الخارجية المصرية، من خلال منصة «إكس» قائلة: «التظاهر أمام السفارات مجحف بحق دور مصر الداعم للقضية الفلسطينية والتضحيات التي قدمتها مصر منذ النكبة، ويصب في مصلحة الاحتلال».
ومنذ نكبة 1948، لم تتردد مصر في تقديم التضحيات الجسام دفاعا عن فلسطين. ففي حروب 1948 و1967 وأكتوبر 1973، سطرت ملاحم البطولة بدماء الجنود المصريين، مؤكدة أن أمن فلسطين جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري .
هذا الارتباط العضوي، كما تصفه وزارة الخارجية المصرية، لم يكن يوما «ورقة للمساومات» بل نابعا من «اعتبارات الجغرافيا والتاريخ والدم» .
رغم تغير الأنظمة، حافظت مصر على هذا الموقف دون مساومة، مدفوعة باعتبارات الجغرافيا والتاريخ والأمن المشترك .
تستند السياسة المصرية إلى ركيزتين أساسيتين:
1. حل الدولتين: إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لمبادرة السلام العربية 2002 وقرارات الأمم المتحدة .
2. رفض التهجير القسري: تصر القاهرة على أن أي حل يجب أن يضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194، وتعتبر التهجير «خطا أحمرا» لا يمكن تجاوزه .
الدبلوماسية المصرية:
صناعة الأمل في زمن اليأس
1. الوساطة التي أنقذت الأرواح
بعد حرب أكتوبر 2023، قادت مصر جهودا دبلوماسية مكثفة بالشراكة مع قطر والولايات المتحدة، توجت بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح 50 محتجزا إسرائيليا مقابل 150 أسيرا فلسطينيا. الرئيس الأمريكي جو بايدن اعترف بأن هذا الإنجاز «لم يكن ليتحقق لولا الدور المصري التاريخي» .
2. الصوت المدوي في المحافل الدولية
– في مجلس الأمن (2016-2017)، نجحت الدبلوماسية المصرية في إقرار القرار التاريخي رقم 2334 الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي .
– دعمت مصر ترقية وضع فلسطين في الأمم المتحدة إلى «مراقب» عام 2012، وخططت لاستضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة .
3. مبادرة «الأرض مقابل السلام»
منذ تقديمها عام 1989، ظلت هذه المبادرة حجر الزاوية في الرؤية المصرية، التي تجمل شعارها في:
«لا حل إلا بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية»   تصريحات متكررة للرئيس السيسي .
غزة: معبر رفح..
شريان الحياة وحدود المواجهة
على المستوى الانساني فرغم سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني للمعبر، حافظت مصر على فتحه بشكل متواصل، مستعدة لدخول 600 شاحنة مساعدات يوميا .
اضافة الى التضامن الطبي: حيث استقبلت مصر 8,200 مصاب فلسطيني، بينهم 28 طفلا مبتسرا، وجهزت 30 ألف طبيب لعلاجهم .
كما حافظت مصر على معبر رفح مفتوحا منذ بداية عدوان 2023، رغم الضغوط الإسرائيلية، كشريان حيوي للإغاثة:
– 11,200 طن: حجم المساعدات الإنسانية المصرية لغزة حتى نوفمبر 2023، وهو ما يعادل 4 أضعاف مساعدات 30 دولة مجتمعة .
– 5,000 عملية جراحية: نفذتها المستشفيات المصرية للمصابين الفلسطينيين خلال الحرب الأخيرة على غزة .
اتهامات مغرضة من «الإخوان المسلمين»
وسياسيا واجهت مصر اتهامات مغرضة، خاصة من جماعة «الإخوان المسلمين»وأطراف إقليمية تهدف لتشويه سمعتها.
وجاء الرد المصري الذي كان حاسما: ما يحدث في غزة جريمة حرب.. ونرفض حملات التشويه الممنهجة» كما قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي .
كما  كشفت الخارجية المصرية أن إسرائيل هي من يعيق دخول 1,200 شاحنة مساعدات جاهزة على حدود رفح .
الاعتراف الفلسطيني: شهامة الأخوة
في بيان رسمي، قدرت السلطة الفلسطينية جهود مصر، واصفة إياها بـ»الدور التاريخي الكبير»، ومشيدة بـ»الموقف الثابت لوقف العدوان». هذا التقديم يجسد ثقة راسخة لم تهزها حملات التشويه.
كما واجهت مصر مخططات التهجير الإسرائيلية بموقف حازم: فالرئيس السيسي أكد أن «تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو أي مكان آخر هو خط أحمر»، محذرا من تغيير الديموغرافيا الفلسطينية .
كما ان الشعب المصري نزل إلى الشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي رافضا هذه المخططات، مؤكدا أن القضية الفلسطينية «قضية أمن قومي» .
ونجحت الدبلوماسية المصرية في حشد تأييد عالمي لرفض التهجير، ورفضت تصريحات دونالد ترامب الداعمة له .
لماذا يظل الدور المصري فريدا؟
1. العمق الاستراتيجي: ربط حل القضية الفلسطينية باستقرار الشرق الأوسط منذ مؤتمر «أنشاص» 1946 .
2. التوازن بين الحكمة والحزم: رفض التهجير القسري للفلسطينيين، مع الحفاظ على خطوط اتصال مع جميع الأطراف، بما فيها إسرائيل .
3. التضامن الشعبي المتجذر: من أغنية «من قلب مصر لفلسطين» إلى حملات التبرعات والمظاهرات الطلابية، ما زال الشارع المصري يعبر عن وحدة المصير .
وبينما تتقلب مواقف الدول، تبقى مصر الضامن  لعدم تصفية القضية الفلسطينية،  دور لا يقاس بحجم المساعدات فقط، بل بقدرته على تحويل اليأس إلى أمل، والموت إلى حياة.
و تظل مصر «بوابة الأمل»للشعب الفلسطيني، كما وصفها مثقفون مصريون. جهودها المتوازنة بين الوساطة السياسية والدعم الإنساني ورفض التهجير، تجسد إرثا من الثبات الأخلاقي والسياسي. تحمل القاهرة رسالة واضحة للعالم: لا استقرار في الشرق الأوسط دون إنهاء الاحتلال، ولا سلام دون عدالة. وكما قال الرئيس السيسي: فلسطين ستظل في قلب مصر.
حقا مصر لم تغب يوما عن ساحة الفعل.. تبقى صامدة حاملة لواء الحق، ودرعا واقيا أمام محاولات التهجير.

مقالات ذات صلة