سلايد شو

بعد عودة مواسم الأفراح ..دفتر النقوط يعود لـ”رد الجميل” لأصحابه

هرمنا – دفتر صغير، يحمل بين طياته ذكريات الفرح والحنين والتكافل المجتمعي في أجمل مواسم الأفراح، وعادة تمثل “رد الجميل” لأصحابه في وقته.
ما يُطلق عليه دفتر “النقوط”، ما يزال حاضرا داخل أدراج الأوراق والملفات المهمة في البيوت، وتتم العودة إليه عند حلول موسم “السداد”.
وعلى الرغم من أن هذه العادة تلاشت نوعا ما في مواسم الفرح، لعدة أسباب، قد يكون آخرها تأثير جائحة كورونا التي اختصرت عادات المناسبات والأفراح، عدا عن تغيير أشكال النقوط وقميته المادية، إلا أنها تبقى حاضرة لدى العديد من الأسر والمجتمعات.
وكغيرها، ما تزال عائلة أبو هيثم تحتفظ بدفتر النقوط الذي يزيد عمره على عشرين عاماً، ويقول الابن خالد إن والده كان يعود له عندما يتزوج أحد الأقارب بهدف “رد النقوط لهم”، حيث يوجد لدى عائلته ثلاثة دفاتر، لكل واحد من إخوته الثلاث المتزوجين.
ويقول خالد إن والدته تحتفظ بهذه الدفاتر في الدرج الخاص بحفظ الأوراق المهمة في البيت، إلا أن الرجوع إليه لم يعد كالسابق في الآونة الأخيرة، لعدة أسباب، أبرزها أن الأبناء أصبحوا يقدمون النقوط لأصدقائهم بشكل منفرد، عدا عن تقليص عدد الضيوف والمعازيم في الأفراح، ولم يعد هناك حاجة لأن يعود والده لتفاصيل هذا الدفتر، إلا أن الاحتفاظ به جزء من ذكريات العائلة.
خبير التراث الأردني الدكتور نايف النوايسة، يتحدث عن عادة دفتر النقوط، التي لم تعد منتشرة كما كانت في السابق في المجتمعات، وذلك بحسب ما أظهرته نتائج المسح الفلكلوري الذي شارك به في سبعينيات القرن الماضي، ومنها العادات الخاصة بالأعراس، مثل “دفتر النقوط، وعادة الكيس الشفاف”.
ويقول النوايسة إن النقوط كان في الماضي يُعد من عادات الفزعة والعونة لأهل العريس، ومتمم للفرح بكل تفاصيلة، حيث يقف العريس ووالده وبجانبهم الشخص الذي يستلم النقوط ويتم تدوين ذلك في الدفتر الخاص به، حتى يبقى هذا الدفتر جاهزاً لحين فترة السداد لمن قام بتقديم النقوط. ولكن للأسف، تغيرت مفاهيم عادة النقوط بعد مرور الزمن، حتى أصبحت عبئاً على الناس، لأنها تخضع لبند التفاخر والتباهي بالقيمة وليس الهدف الحقيقي من ورائها، وأمسى كثيرون يضطرون إلى الاستدانة أحياناً من أجل تقديم نقوط بمبلغ كبير، حتى يتم تدوين ذلك في الدفتر ولا يتعرضون للإحراج.
وعلى الرغم من تغير تلك العادات، إلا أن دفتر النقوط ما يزال حاضراً في الكثير من البيوت، كما يؤكد النوايسة، وخاصة في المجتمعات الضيقة، أو لدى الأقارب والتجمعات العائلية، حتى وإن زاد عددهم أو انتقلوا إلى مناطق أخرى، حيث إنهم نقلوا تلك العادات معهم، ويتوارثنها الأبناء والأحفاد.
ووفق النوايسة، فرضت جائحة كورونا تغييرا كبيرا في العادات المُتبعة في الزواج، وإعادة ترتيبها، والاقتصار على حضور عدد قليل جداً، واختفاء مظاهر البذخ، وأبرزها إقامة “غداء العرس أو القِرى”، الذي يكبد أهل العريس مبلغا كبيرا من المال، وهذا الأمر أدى إلى انتهاء دور “دفتر النقوط” بهذه الفترة، ولكن مهما تغيرت الظروف وأثرت على المجتمع، إلا أن جزءا من المتمسكين بتلك العادات والتقاليد سيحافظون على هذا النهج التراثي، كونه يُعد أحد تفاصيل الحياة لديهم، وتتناقله الأجيال. وهذه العادات والتقاليد الاجتماعية، بحسب المختص بعلم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، هي جزء من الموروث الشعبي الذي تتناقله الأجيال، لذلك مهما تغيرت الظروف إلا أنها تبقى حاضرة مع مرّور الزمن، ووجود دفتر النقوط في بعض المناطق من العادات المحببة لدى عائلات.
وسبب الاحتفاظ بهذه العادة تحديداً كما يراه جريبيع، هو الرغبة في الاحتفاظ بجزء من الموروث، وتوثيق لمن أدى الواجب، وحرص على المشاركة في المناسبات السعيدة، والتخفيف على كاهل أهل العريس من مصاريف الزواج، ليصار بعد ذلك إلى رد هذا الجميل وهذا التعاون منهم، والإحتفاظ بمواقفهم التي تُقدر.
إحدى الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي نشرت مؤخرا، صورة لدفتر النقوط تعود للعام 1961، وفيها العديد من الأسماء والنقوط الذي تم تقديمه للأشخاص، حيث حملت تلك الصفحة كما كبيرا من الذكريات والحنين لصور التكافل بين العائلات، إذ كانوا يقدمون “سكرا، رزا، قهوة، فواكه، دجاجا..”، وغيرها من المواد الأخرى، التي تبين بساطة المجتمع آنذاك، وحجم التكافل فيما بينهم.
ويشير جريبيع إلى أن النقوط في مجمله انعكاس للتكافل الاجتماعي الاقتصادي في الوقت ذاته.
اختلفت العادات بشكل كبير، وأثر عليها التغير المجتمعي والاقتصادي، حتى أن طبيعة النقوط بحد ذاتها تغيرت بين “نقوط مادي أو عيني”، كمن يقدم مونة لأهل العرس، أو مساعدة من خلال تقديم جزء من مكونات “الغداء المخصص للعرس” أو ما يسمى بـ “القِرى”.
ويذهب جريبيع، إلى أن العادات تنقسم إلى قسمين، عادات عامة يلتزم بها الجميع، وأخرى مخصصة، قد تختلف باختلاف المنطقة الجغرافية أو حسب العائلة التي تقيم في هذه المناطق، ولكل منها تفاصيل تختلف من مكان لآخر، والعادة هي ما اعتاد الناس على ممارسته من تصرفات وردود أفعال قد تتلاشى، ولكنها لا تغيب تماماً.
ولكون النقوط، يُعد شكلا من أشكال “الفزعة” بين أفراد المجتمع الواحد، فقد يتعمد الكثيرون إلى معرفة ما قدمه كل شخص في هذا الفرح، ليصار إلى سداده في المناسبة الخاصة بهذا الشخص، الشيء الذي يزيد العون والفزعة، ويساعد العائلة على تخطي الالتزامات المالية على اختلاف قيمتها.
ويأمل النوايسة أنه في حال استمرت عادة دفتر النقوط في المجتمع الأردني، وخاصة مع عودة الافراح بعد فترة من الوقت إلى سابق عهدها، أن تبقى تفاصيل “الدفتر” سرية، حتى لا يحصل أي نوع من الإحراج للضيوف، خاصة مع حدوث تغيير في الواقع الاقتصادي للناس، وعدم القدرة على دفع مبالغ كبيرة، كما يتمنى أن تختفي عادة “الكيس الشفاف في النقوط”، التي تتم فيها المجاهرة بقيمة النقوط لكل فرد في اللحظة ذاته.

الغد

مقالات ذات صلة