أخبار عاجلة

“خالته أم مصطفى” من ذكريات عمان الجميلة.. خالد اللوباني

كنت وعبد الناصر الحوراني عائدين لتونا من وليمة عرمرية بدعوة من الصديقة سلافة الزعبي التي قبضت علينا في كافتيريا”شيحان ” ونحن نتضور جوعا ولانمتلك حتى ثمن وجبة رديئة من اعداد “صفاْء” العراقي مدير الكافتيريا.. وبكرمها المعتاد ونظرتها الثافبة ادركت اننا في النزع الأخير وعليها ان تنقذنا ، فقالت لنا هلما إلى مطعم في منطقة الشميساني وأوقفت تاكسي من أمام باب الجريدة وانطلقنا.. وكان غداء رائعا صحبة سلافة التي كثيرا ماكانت تنقذني من باص “اربد” المزدحم بدعوتها لى على حسابها لنمتطي باص “حجازي” الذي كان ينظر له على أنه لعلية القوم.
وعدنا الى الجريدة عقب الوليمة بعد ان تورد الخد كما الارض التي سقاها المطر.. وكان هناك محمد ابو أعمر ينتظرنا لنذهب الى منطقة ما في جبل عمان استجابة لاتصال هاتفي من سيدة طلبت من صحفيين الحضور لعرض مشكلتها مع الجيران الذين دأبوا على مضايقتها وارسال ابنائهم لقذف منزلها بالحجارة وكان محمد ابوعمر متعاطفا مع السيدة التي بدت من صوتها وفق مانقله لنا أبو أعمر سيدة راقية ومظلومة وكان اتصالها مضمخا بالدموع وبعض “الحشرجات” المتقطعة على حد تعبيره ، ولدى خروجنا من باب الجريدة وبالتحديد امام المنطقة المقابلة لجسر دوار المدينة كان هناك الصديق “نشأت الحلبي” جالسا على المقعد الحجري تحت الجسر وقد كان عائدا لتوه من غزوة لسوبر ماركت “سن رايز” فالقينا عليه التحية ورفع يده لنا وتمتم بمفردات لم نفهم منها إلا الكلمة الأخيرة “..أختك” ويبدو أنها “تطعيمة” ، بل أكيد هي تطعيمة، المهم أننا واصلنا المسير لأننا كنا على موعد مع صاحبة الاتصال.. ووصلنا الى منزلها بعد معاناة مع المواصلات الرخيصة ، وعندما طرقنا الباب انشق عن سيدة طويلة القامة ولم نعرف بمن كانت ترحب من ثلاثتنا فقد كانت “حولاء” بشكل لايخفى حتى على الأعمى، واعتبرت أنا وناصر الحوراني ان الاحتفاء والترحيب هو لصالح محمد ابو أعمر كونه من تلقى الاتصال.
وبدأت “أم مصطفى” وهذا كان اسمها بسرد تفاصيل معاناتها مع الجيران وكيف قابلوا ويقابلون حسن صنيعها بالإساءة وسوء المعشر ، فهي لم تؤذ أحدا منهم.. وفي حالها ولاتتدخل في شؤون أحد منهم، مشيرة إلى أن بعض الضجيج والأغاني تنبعث من منزلها أحيانا وهذا مالايجب أن يدعو إلى انزعاج الجيران فهي مجرد أغاني تبعث الفرح والسعادة في الجوار، تعاطفنا معها قليلا خاصة وأننا في تلك المرحلة من العمر كنا للعبثية أقرب ، وواصلت “أم مصطفى” سرد معاناتها بالقول: وماذا إذا كان ضيوفي كثر ، ماذا يضير الجيران من ذلك ، فأنا إمرأة تعودت على أن أن أكون كريمة من أيام رحمة أبو مصطفى ، ونظرت إلي بشكل محدد قائلة: ولا شو رأيك يا محمد!!
وفيما هي مستغرقة بسرد “معاناتها” بدأت ابواب الغرف الكثيرة تفتح وتخرج منها فتيات من شتى الألوان والمقاسات وتحول المنزل إلى خلية نحل .. فنظرنا إلى بعضنا مدركين سر معاناة “أم مصطفى” ، التي لاحظت أننا نستمع فقط دون أن نكتب شيئاً فقالت بحرقة: لماذا لاتكتبون شيئا عما أعانيه وكان صوتها أقرب الى البكاء فتفاعل ناصر الحوراني معها وقال: أكتب يا ابو أعمر كل ماتقوله “خالتك أم مصطفى” فصعق محمد ابو اعمر وتمتم “من وين لوين خالتي” ولكنه انصاع خجلا وباشر بالكتابة.. وفي هذا الاثناء دخلت علينا بنت ام مصطفى .. صبية عشرينية طالبة منا كصحفيين أن نكتب لها رسالة الى زوجها في الغربة تبثه فيها لواعج الأشواق ، فما كان من ناصر الحوراني إلا أن همس في أذني: وهل لديك وقت للشوق لأحد ..فكتمت ضحكتي بانتظار انتهاء أبو أعمر من كتابة معاناة أم مصطفى.. وغادرنا بيتها العامر ونحن ننفجر بالضحك من “خالتك أم مصطفى”.. ولدى وصولنا إلى دوار المدينة كان نشأت الحلبي مايزال جالسا تحت الجسر فألقينا عليه التحية فرفع يده لنا وتمتم بمفردات لم نفهم منها شيئا سوى الكلمة الأخيرة” …خالتك” فضحكت أنا وناصر والتقت نظراتنا على محمد أبو أعمر الذي أحنى رأسه خجلا.

شاهد أيضاً

تربويات لافتة!

كتب د.ذوقان عبيدات هرمنا الاخباري-كان أبرز إنجازات النظام التعليمي منذ الستينات: سيادة القرار التشاركي، وقدرة …