أخبار عاجلة

صيام ودخان وكورونا .. فارس الحباشنة

علاقتي مع الصيام حديثة العهد. تقريبا من ثلاثة أعوام أصبحت أصوم. وتحديدا عندما قطعت وتوقفت عن التدخين. وبالمناسبة رمضان، شهر الفرصة والممكن للانقطاع كليا عن التدخين، وجميع محاولاتي المترددة والمتقطعة، والتناوب على استهلاك انواع أخرى من التبغ غير السيجارة العادية، لوقف الدخان توجت حتما في شهر رمضان.

لا أنسى تلك الليلة الرمضانية، عندما رميت علبة» مالبرو امريكي « ودوست عليها أرضا. وبعد الإفطار احتسيت فنجان قهوة بدون سكر، وكأس شاي اخضر سيلاني دون سيجارة. في البداية الشعور يكون ثقيلا ومريرا، وثمة اشياء في حياتنا تلتصق بمتلازمات اخرى، الدخان وقهوة الصباح، والدخان وبعد تناول الطعام، والدخان والكتابة والقراءة.

ترك الدخان سهل ممتنع تجربتي الشخصية كانت متقطعة، لم اترك السيجارة دفعة ومرة واحدة. تناوبت على تدخين السيجار الخفيف « سيجرولو « وارجيلة الزغلول، وحتى وصلت الى حد النهاية باعلان التوقف عن تناول كل اصناق الدخان.

وفي الاعوام الاخيرة لم نكن ندخن تبغا. نشارة خشب، وبقايا بلاستيكية، وجرذان وحشرات مطحونة. تولع السيجارة تنطفئ عشر مرات، والروائح الصادرة عنها كريهة لا تشبه رائحة التبغ المحترق. وحتى الدخان المستورد والمهرب الذي يباع باكيته بأربعة دنانير مضروب ومغشوش ومعبأ في سحاب او القسطل وشركات التزوير التي انفضح ملفها في قضية عوني مطيع المشهورة. 

ايام المدرسة كنا نفطر رمضان من زاويتين : عقائدية وحبا في التدخين. تشعر بان التدخين يعطيه قوة ورجولة، وانك تسابق الزمن نحو المراهقة والشباب. تبحث عن السيجارة عن ذاتك، والتحرر من بلادة القيود، وصورة السيجارة وخيوط دخانها الشاهقة والمرتفعة الى السماء تشعل في خيالك الحرية والتمرد، نسمع ام كلثوم وعبدالحليم حافظ ومحمد عبده. 

وعلى الفطور،تجلس هادئا، ومسالما، تمسك اعصابك بانتظار صوت المدفع الغائب الان،ورفع أذان المغرب. لم نكن نفطر الا على أذان التلفزيون الأردني، والإفطار لا يجاز الا عند سماع صوت «الشيخ عطية الجعافرة» الله يعطيه الصحة والعافية وطول العمر، امام المسجد الغربي. وحى بقية مساجد القرية : الوسطاني، والشرقي، فلا يستجاب لأذانها، فالمشروعية دائما في حياة الناس الأصيلة لما هو أعرق وأقدم في تاريخ المكان والناس.

نعم، لم اكن أصوم، ولكن لا أجاهر بالإفطار، ولا احد يعلم في البيت والحارة أني مفطر. وفي وقت الافطار، انغمس في الطقس الرمضاني، انتظار الأذان، وسماع القرآن، وشرب العصائر واكل التمر، ومشاهدة الفوازير، وفيما بعد سرد تعب الصيام، وكيف انقضى اليوم ؟ والحديث الحتمي والضروري عن تفاصيل الجو : حر ام عادي، وهل عطشت ام لا ؟ 

السحور من الطفولة كنت أتقاعس عن صحوته، ولا أشارك به.ولا اذكر اني صحوت على موعد سحور، وللامانة قبل أيام كنت في الكرك، وأجبرتني أمي على تناول السحور، وتحت ضغط الإلحاح، ورفع الحرام وإشعال الضوء، وصوت التلفزيون. قبلت بالأمر الواقع، وقمت من فراشي شربت كأس ماء وحبة تمر وعودت الى منامي.

 يمر رمضان محملا بالذكريات. موت وحياة ورحيل وخسارات، وإقلاع عن تدخين، وطفولة ومراهقة، واختبارات لحياة قاسية وثقيلة لا تعرف الرحمة، ومعاناة شديدة، واعتراف بان العمر يسابقنا ويتقدم بنا. وكم تدرك ان الذكريات جميلة ولاذعة وجارحة، ولكن لابد من استعادتها، فلا اجمل من مقارحة الزمن بالذكريات والافكار. 

فالسؤال عن الحياة والزمن سؤال يومي، ولربما ان كورونا اللعينة زادت بالإلحاح بالتفكير القاسي والصعب في كل شيء. والورود الى قعر الذاكرة لاستعارة بعض معاني وصور الحياة، وذلك عندما تتعطل القدرة على توليدها في اللحظة الراهنة. فكل رمضان وانتم بخير وحب وسلام، واقتراب الى المولى العظيم.

شاهد أيضاً

تخفيض اشتراكات تأمين الشَّيخوخة والعجز والوفاة للعاملين في منشآت القطاع الخاص

هرمنا الاخباري – قرَّر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها اليوم الأربعاء، برئاسة رئيس الوزراء …