أخبار عاجلة

حسابات متباعدة .. بقلم/ عماد قاسم عودات

هرمنا – قد تظن الحكومة الرشيدة بانها جاءت بالجديد عندما سنت قانون المترين كقانون للتباعد بين المواطنين لمنع انتشار فيروس الكورونا المزعوم. فالتباعد أمر طبيعي بين الاشياء. فنحن عندما نقود سيارتنا نترك ما يقارب المترين بيننا وبين السيارة التي أمامنا أو بما مقداره 2 ثانية. وعندما ندقق بطبيعة الاشياء حولنا, نجد بأن كل ما في الكون يتبع نظام التباعد كقانون طبيعي أساسي. فالكواكب والنجوم تدور في مسارات ثابتة تاركة مسافة كافية فيما بينها. تصور كيف يكون حال الفضاء لو لم يكن هنالك مسافة أمان كافية بين الكواكب. تخيل كيف ممكن أن يكون الحال لو لم تكن المجرات والنجوم والكواكب متباعدة!   والديانات السماوية أيضا تحض على التباعد بالزواج بين الناس وداعية للزواج من غير الاقارب وتغريب النكاح لان زواج الاقارب قد يورث الامراض وهذا أمر أثبته الطب. فالتباعد بين الاشياء سنة وطبيعة كونية.   وكذلك الحال في البيت الواحد فعندما يكبر الاطفال تقوم الام بغريزتها بفصل الكبار عن الصغار والبنات عن الاولاد والصغار عن حضنها مبتعدة عنهم داخل حدود المنزل. والطفل عندما يكبر فطبيعي أن يبتعد جسديا عن بيت أبيه وأمه مكونا هو الاخر أسرة جديدة لها قوانينها الخاصة تحكمها قوانين التباعد والتقارب الطبيعية.   وقوانين كندا مثلا تأمر بأن يكون هنالك غرفة لكل فرد من أفراد الاسرة. فالبيت الذي به زوج وزوجة و 4 اطفال مثلا يجب أن يكون به 3 غرف على الاقل. وطبيعة الاشياء تقتضي أن يفصل الطفل عن المراهق في البيت الواحد وهكذا.   عندما هاجرت الى كندا منذ حوالي 17 سنة أتيحت لي الفرصة بأن أعمل متطوعا لدى أحدى المؤسسات الحكومية التي كانت تعنى بخدمة المهاجرين الجدد. لاحظت وقتها أن الحكومة تولي تعليم المهاجرين الجديد اللغة الانجليزية او الفرنسية أهمية بالغة وهو كذلك. ولاحظت بأنهم يسعون بكل الطرق نحو صهر المهاجر الجديد بالمجتمع الكندي وتسهيل الامر عليهم. ولكن ما أثار انتباهي حقيقة بان بعض العوائل في مجتمعنا العربي بالذات وللاسف تجد نفسها بعد سنوات في محاكم الاسرة لاجراء معاملات الطلاق. وهذا الامر للاسف في انتشار واسع ووجب عليه دق ناقوس الخطر.   الحقيقة أن الامر يدعوا للتفكر لان كل مقومات السعادة متوفرة لهذه الاسر ولكن اختلاف النظام الكندي عن خصوصية مجتمعاتنا الشرق اوسطية قد يصعب على البعض تفهمه. ويواجه أصحاب الحل والربط من أبناء جاليتنا والمؤسسات المعنية بحل الخلافات الاسرية صعوبة وتحديا حقيقيا في تقريب وجهات النظر وحل المشاكل الاسرية وذلك لعمقها وتجذرها وللطبيعة الفسيولوجية والنفسية بين أطراف العلاقة الزوجية والابناء. والحقيقة كنت قد اقترحت بان توفر الحكومة مرشدين نفسيين للمهاجرين الجدد لتسهيل انخراط المهاجر نفسيا مع المجتمع الكندي وليس فقط دعمهم لغويا وماديا. فالموضوع عميق جدا ويجب على المهاجر أن يتفهم أن كندا ولو أنها تقوم على دعم الاسرة لأبعد الحدود فهي تهتم أيضا بجعل مسافة تباعد بين أفراد الاسرة الواحدة وتدرب الاطفال في المدارس على ذلك.   وعليه كنت اقترحت بان يتم فك الشراكة الخاصة بالحسابات المشتركة. فمثلا أنا لا أنصح أبدا بالحسابات البنكية المشتركة بين الزوج والزوجة والاطفال. فيا حبذا لو كان هناك تباعد مالي بحيث أن حساب الاطفال وما تعطيه الدولة للاطفال أن يصرف فقط بكل ما يخص الاطفال فيما يخص الجانب التعليمي والترفيهي وانخراطهم ببرامج ثقافية ودينية واجتماعية خاصة بمجتمعهم الخاص. ولا يستعمل ما تصرفه الدولة في أي أبواب صرف أخرى. والزوجة اذا عملت يكون لها حسابها الخاص اخذين بعين الاعتبار أن لها مالها وعليها ما عليها من التزامات وواجبات. والحال ينطبق كذلك أيضا على الزوج. والتباعد بالحسابات برأيي المتواضع سوف يساهم بشكل كبير بتقليل المشاكل الاسرية. لاني لاحظت باغلب الحالات التي كنت مطلعا عليها لطبيعة عملي في هذا المجال تكرار الامر المالي كسبب اساسي للمشاكل الاسرية. وعليه يفضل التعامل داخل الاسرة كنظام الشركات الحقيقة حيث يوجد ميزان مالي (حسابات داخلة وحسابات خارجة) يتقاسم به جميع الاطراف مسؤولياته ويتنعم بحقوقه الشرعية والمدنية دون أي انتقاص.   واذا اختارت الزوجة أو الزوج العمل أن لا يكون ذلك على حساب تعليم الاطفال ثقافتهم ودينهم وتنشئتهم النشئة الصحيحة المستقيمة وأن لا يكون على حساب البيت حيث يجب أن يكون أمر استقرار البيت أولوية اساسية لدى جميع الطراف المعنية. ويؤخذ ذلك الامر عند تحديد المسؤوليات المادية للبيت.   برأيي فان التباعد في جميع الامور حتى في البيت الواحد أمر ضروري لسعادة الاسرة والابتعاد عن كل ما يعكر صفوها. فالاب يجب أن يترك مسافة بينه وبين زوجته وبين ابناءه. وكذلك الابناء يجب ترك مسافة مع اباءهم وامهاتهم تحكمها علاقة الاحترام المتبادل ومعرفة حدود كل طرف وكيفية التواصل فيما بينها. وكذلك يجب التباعد بالعلاقات بين الاطفال واصدقاءهم.   نحن بحاجة ماسة الى بروتوكول عائلي محكم وفعال للتواصل فيما بيننا ونظام تباعد اجتماعي مناسب لحياة أسرية ناجحة في ظل العديد من التحديات الحقيقية التي نواجهها كمجتمعات محافظة تعيش ضمن نظام مدني منظم ومحكم.   للحديث بقية.  

شاهد أيضاً

القرعان يكتب : أمام اصحاب الولاية العامة … لمصلحة من السكوت عليهم

كتب ماجد القرعان هرمنا الاخباري-حالة مستغربة وعجيبة في الوسط الإعلامي هي بمثابة لغز لا بل …