لا نريد شفقة عمر بن الخطاب وإنما نريد هيبته وعقوباته.… بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي


هرمنا – كلنا يعرف أن عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب كان يضرب به المثل في العدل والرضى ، كما أنه كان عهد الانتشار بالفتوحات والإقبال على الدخول للإسلام نتيجة تطبيق التعاليم والعدل بالحكم .
الخليفة عمر بن الخطاب كان عادلا ليس من خلال فرض الضرائب ولا من خلال التعيينات العشوائية ولا من تطبيق العقوبات فقط على عامة الشعب ، وإنما كان عادلا من خلال خوف الولاة والحكام من غضب عمر عليهم وضبطهم في حال أن تجاوزا على صلاحياتهم أو أنهم استغلوا سلطانهم أو سلطاتهم فيما يملكون من أدوات الحكم .
عمر بن الخطاب جمّد تطبيق الحدود في زمن المجاعة وكان هذا على غير رغبة بعض الحكام والولاة ، وكان عْمر ليس خليفة فقط ، وإنما حاكما مرِناٌ وزاهدا وواعضا وناصحا وضامنا قويا في تطبيق حدود الله على المخطئين والمتجاوزين على حدود الله .
عْمر كان يتفقد المساكين والفقراء والناس نيام ، ويستمد معلوماته عن عيشة الناس من عامة الناس وليس من الحكام الذين يحكمون الناس .
عْمر بدأ بتطبيق الحدود على نفسه وعلى أولاده وأهل بيته ولهذا كان قويا صارما في الحكم وفي تطبيق القوانين والحدود حتى صار يْضرب المثل بعدل حكمه.
عمر أحسن الإختيار للحكام والولاة، واعتمدَ مجلس الشورى في اتخاذ القرارات من خلال مجموعة من الصحابة الذين كانوا من أهل التقوى والعلم والتجربة ، وليسوا من الأنسباء أو الأقرباء أو اصحابين المصالح أو من خريجين روما أو بيزنطه أو من المعيننين من قبل العسس أو بالشراء للذمم من خلال المال الأسود .
عمر كان سيفاً مْخيفا ومْرعبا لمن يتولى الحْكم ، وبنفس الوقت كان حضنا دافئا وملاذا آمنا للفقراء والمساكين ، فكان سهلا لعامة الناس باللقاء أو التحدث إليه ، وبنفس الوقت كان مخيفا ومرعبا للمسؤولين الذين يتولون وظائف الدولة فيما إذا طلبهم للمثول بديوانه .
عدل عْمر تحقق بالسيف القاطع والفارق ما بين الحق والباطل وما بين الخير والشر على الحكام والولاة وليس على عامة الناس وفقرائها ومساكينها.
ولهذا عندما نستذكر أعدل الدول بالتاريخ فإننا نتغنى بعهد الخليفة عمر بن الخطاب ولكننا لا نستذكر أن هناك أدوات للحكم كانت هي السبب والمساعد الرئيسي في تحقق عدل الخلافة العمرية ، ومنها مثلا مجلس الشورى الذي كان يقول لعمر انك أخطأت في بعض المواقف ، ويوقفه عند حده إذا لزِم الأمر وتجعله أحيانا أخرى يتراجع عن السير فيها .
كان هناك حْسن اختيار للحكام والولاة مع أن رعايا الدولة كان معظمهم من الجهلاء و البَدًو الرحل أو من الاعراب الأشد كفرا .
كان هناك أيضا عقوبات تطبق على الأفعال بغض النظر عن مرتكبيها ومهما كانت صفتهم أو درجة قرابتهم أو مكانتهم في المجتمع .
كما يجب علينا أن لا ننسى انه كان يعتمد سياسة الباب المفتوح عنده وعند كل ولاته وحكامه ، فلا يجوز إغلاق الدواوين ووضع الحجابين على الأبواب (مدراء مكاتب ، وسكرتيرات ، ومرافقين) وكان يعزل كل حاكما كان يضع حَجًابا بينه وبين الناس .
عمر كان لا ينام طالما هناك نشاط أو مشاكل أو قضايا، وكان يتحقق بنفسه من كل مشكلة او معلومة تصل له ، أو يرسل للوقوف على حقيقتها من أصحابه الثْقات للتحقق منها .
عمر بن الخطاب كان منظومة دولة وليس فردا يحكم دولة ،
ولهذا كان راعيا للحقوق ونصيرا لها ، فكلنا لا ننسى مقولته الشهيرة لعمر بن العاص عندما قال له ،،كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ،، وكذلك توبيخه له على وضع الحجابين بينه وبين الناس ومعاقبة ابن عمرو بن العاص على يدً المشتكي عليه الذي سبقه بسباق الخيل .
كان عدل عمر بن الخطاب عدل دولة وليس عدل حاكما فقط ، وكانت هناك حاشية مساهمة ومساعدة ، ولولا تلك الحاشية لفشل عْمر وتنازل عن الحكم واعتزله وسلمه لمن هو اقدر منه عليه.
ولهذا فإن أي دولة تريد أن تنهض أو تتقدم أوتحترم نفسها ، فإن اول درجة في سلم نهوضها وتقدمها يكون من خلال العدل في اختيار الحكام وتطبيق المعايير العادلة في اختيارهم ، ومحاسبتهم بأشد العقوبات في حال أن تجاوزا أو أهملوا في تطبيق قوانينها، وكما أن العدل هو أساس الحكم ، ولهذا فإن أي دولة تريد أن تنهض أيضا فلن يتأتى لها ذلك إلا باستقلال سلطة القضاء عن سلطة الحاكم وخضوع الأخير لها .
فعدل عُمر إنما هو عدل دولة وليس عدل شخصا واحدا فقط .