أخبار عاجلة

كي لا تضيع الفرصة … د . عبداللة الزعبي

هرمنا الاخباري – عمان

تابعت حديث سمو ولي العهد خلال منتدى تواصل الذي عقد مؤخرا، حديث رائع كالعادة وبمنتهى الصراحة ويحاكي الواقع دون تجميل، حديث مفعم بالطاقة والرؤية الاستشراقية لمستقبل الشباب الأردني.
حديث سمو ولي العهد واضح، وكل جملة فيه بحاجة إلى خطة تنفيذية ومتابعة حثيثة من قبل أصحاب القرار لتصبح واقعاً ملموسا على الأرض. توقفت كثيراً عند جملة من حديثه وأقتبس «شفنا على مر السنوات الكثير من الخطط الجيدة التي وضعت لتخدم المصلحة العامة، لكن للأسف ما شفنا نتائجها، إما بسبب الترهل الإداري، أو ضحية شخص خائف على شعبيته، أو أحبطها التشكيك لمجرد التشكيك…» انتهى الاقتباس، وعندها عدت بالذاكرة إلى الخطط التي وضعت من قبل الحكومات السابقة، ومنها، وثيقة رؤية الأردن 2025 والمقدمة من حكومة الدكتور عبد الله النسور، ولم تر النور، ثم خطة التحفيز الاقتصادي المقدمة من حكومة الدكتور هاني الملقي، ولم نلمس ذلك، والإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية والتي أطلقت بعهد حكومة الملقي وانقلب عليها رئيس الفريق الوطني الذي أعدها، وكذلك خطة دولة التكافل والإنتاج لحكومة الدكتور عمر الرزاز والذي قد نعذره لعدم تحقيق أهدافها بسبب دخول جائحة كورونا.
إلا أننا نتحدث اليوم عن ثلاث خطط ترسم معالم مستقبل الدولة في مئويتها الثانية، وهي خطة التحديث السياسي، والاقتصادي والإداري، والتي مضى على انطلاقتها فترة من الزمن، إلا أننا لم نلمس أي عمل على أرض الواقع باستثناء التحديث السياسي والمتمثل بخروج العديد من الأحزاب إلى حيز الوجود، والتي نأمل أن تنقلنا فعلاً إلى مرحلة الحياة الحزبية البرامجية أسوة بالدول المتقدمة صاحبة الخبرة في هذا المجال.
كما أنه من اللافت للانتباه ما تحدث به نائب رئيس الوزراء عن خطة لجلب استثمارات تزيد في قيمتها على 41 مليار دينار مع العام 2033، وهذا مفرح، إلا أنه يحتاج إلى بيئة استثمارية جاذبة ومنافسة بقوة على الساحة الإقليمية والدولية، في ظل الركود الاقتصادي والتضخم العالمي وارتفاع أسعار الفائدة والطاقة والترهل الإداري (الذي أشار إليه سمو ولي العهد وبكل صراحة). الأمر الذي يعني أن الجهاز الإداري بحاجة إلى إعادة تأهيل وبسرعة قصوى لإكسابهم مهارات التخطيط والتفكير والتحليل والمبادرة والمرونة والتكيف التي يحتاجونها والخريجين من الجامعات، (وهو ما تحدث عنه ولي العهد) لمواكبة التطورات المتسارعة في مرحلة التحولات الرقمية، وغيرها من الأسباب. كما أشار ولي العهد الى أهمية اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب، وهذا يعني اختيار القيادات القادرة على اتخاذ القرارات للمصلحة العامة وفقاً لسيادة القانون، لا القرارات التي تصب في المصلحة الشخصية أو الشعبوية.
إن جلب الاستثمارات التي تحدث عنها نائب رئيس الوزراء لخلق مليون فرصة عمل، منهم اليوم ما يقارب 50 % موجودون في سجلات ديوان الخدمة المدنية (486 ألف طلب، حسب إحصائيات الديوان) ينتظرون فرص العمل، ويحملون مؤهلا أعلى من الثانوية العامة (سبق وأن تقدمنا في شهر تموز من عام 2019 وبالتعاون مع وزير العمل الأسبق نضال البطاينة ببرنامج لإعادة تأهيلهم بالمهارات اللازمة لسوق العمل)، وهذا الرقم بازدياد سنوي وبحوالي سبعين ألفا من خريجي الجامعات والكليات المختلفة.
على الرغم من تفاؤلنا المستمر بنجاح الخطط، إلا أن مثل هذا يحتاج إلى بيئة ابتكارية ومشاريع تنموية وريادية، وبعكس نتائج التقرير الصادر عن المنظمة العالمية لمؤشرات الابتكار العالمي والذي يشير إلى أن الأردن متأخر في معظم المؤشرات باستثناء مؤشر البنية التحتية (وحسب ما بينت نسرين بركات، المديرة التنفيذية لمنتدى الإستراتيجيات الأردني)، وتبين أيضا أن الأردن تراجع في العام 2022 ليحتل مكانة 56 من بين 63 دولة في التنافسية، وتراجع في التعليم والأداء البيئي، وبينت بركات وحسب التقرير تراجعا في مؤشر الإبداع، والذي في الأساس يعتمد على الباحثين في الجامعات ومراكز الأبحاث الوطنية (سبق أن تحدثت عن أسباب تراجع البحث العلمي والتطوير والابتكار في مقال سابق بعنوان ويحدثونك عن البحث العلمي).
من الواضح أن الوصول إلى الأهداف التي حددها ولي العهد، لا يمكن أن يتم إلا بإصلاح سريع لقطاع التعليم، والذي يعتبر العمود الفقري لمستقبل أي دولة في العالم. من هذا المنطلق سبق وأن تقدمنا في بداية العام 2019 لمجلس التعليم العالي ببرنامج وطني وتحت عنوان المسارات المهنية والتطور الوظيفي والذي تأخر إقراره حتى نهاية 2020، وتم استحداث أربعة من البرامج التخصصية في شهر آب من العام 2021. هذا البرنامج الوطني المعني بتقديم المهارات اللازمة ومنح الشهادات المهنية وتوطينها بالإطار الوطني للمؤهلات وربط التوظيف بالمهارة لا بالشهادة الأكاديمية لوحدها، والذي لا محالة إذا طبق بالشكل الصحيح سيكون نقلة نوعية للقطاع.
كلنا أمل وتفاؤل بأن يتم اتخاذ الإجراءات لإصلاح قطاع التعليم وبكافة مستوياته والتركيز على جودة التعليم العالي والبحث العلمي والتطوير والذي نلمس تراجعه، والذي قد يعود سببه لبعض القيادات الأكاديمية، ونقدر العمل الذي يقوم به وزير التربية والتعليم من أعمال التحديث والتطوير وخاصة للمراحل الأخيرة من التعليم المدرسي والتي من المتوقع تطبيقها مع بداية العام الدراسي القادم، وقد نتحدث عنه لاحقاً. كما أننا ننتظر قرارات تصب في مسيرة الإصلاح الإداري والاقتصادي وخلق البيئة الاستثمارية المنافسة لتحسين موقع الأردن على الساحة العالمية لتحقيق رؤى جلالة الملك.
نتوجه بالشكر لسمو ولي العهد لحديثه الصريح، الذي كان بمنتهى الشفافية والواقعية ونأمل من أصحاب القرار المتابعة والتنفيذ كي لا تضيع الفرصة، خدمة لمستقبل الدولة الأردنية.

شاهد أيضاً

الابعاد الاقتصادية للأمن السيبراني

هرمنا الاخباري-الثورة التكنولوجية التي يشهدها عالم اليوم والانتشار غير المسبوق لاستخدام الانترنت والتحولات الرقمية التي …